أولا: السؤال كان عن سبب الخلاف وليس سبب الترجيح فانا ذكرت الأسباب التي دعت الأصوليين يختلفون في هذه المسألة ولم أذكرها كمرجحات وإلا فالمسالة بحثها في موضع آخر والذي اعتقده في ذلك جواز تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد مطلقا كما هو مذهب جمهور أهل العلم فهو قول مالك والشافعي وأحمد في المعتمد وأبي يوسف والجصاص من الحنفية واختيار أبي يعلى وأبي الخطاب من الحنابلة وابن الحاجب من المالكية والشيرازي من الشافعية خلافا لابن حزم في ظاهر اختياره وأحمد في رواية وبعض المعتزلة حيث منعوا مطلقا وخلافا للحنفية حيث أجازوه بشرط انتظار الوحي وخلافا للجويني والغزالي في المنخول الذين أجازاه في الفروع دون الأصول والقواعد وخلافا للباقلاني والغزالي في المستصفى والقرافي في شرح تنقيح الفصول وأبي الحسين البصري من المعتزلة القائلين بالوقف وذلك لأدلة كثيرة منها:
1 / عموم قوله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار) فالنبي صلى الله عليه وسلم داخل في عموم هذا النص.
2 / ولما حدث في أكثر من حادثة من معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على اجتهاده كقصة أسارى بدر وإذنه للمتخلفين في غزوة تبوك وغيرها.
3 / ولما حدث من أقيسة النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مسألة والقياس اجتهاد كقياس الحج على الدين وقياس الصوم على الدين وحصول الجر لمن وطأ في الحلال قياسا على حصول الإثم لمن وطأ في حرام ....
4 / إجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل كما في قصة استثناء الإذخر في شجر الحرم وسؤال السائل له عن الحج أفي كل عام قال: لو قلت نعم لوجبت، وقوله في الحج: " لو استقبلت من أمري ما ستدبرت لما سقت الهدي) ولو كان وحيا لما قال ذلك.
5 / ولكون الاجتهاد منزلة عظيمة ولصاحبها الأجر والثواب على اجتهاده فكيف يحرم النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفضل.
إلى غير ذلك من الأدلة المذكورة في كتب الأصول.
ثانيا: قولك أخي: (أما عن (أولا) فالأصوليون لا نزاع بينهم في قبول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم سواء منهم من قال باجتهاده ومن لم يقل، فلا مجال هنا للطعن في الشريعة أو عدم ثبوتها)
ليس الكلام هنا عن قبول القول فالكل متفق على ذلك كما قلت لكن المقصود بهذا السبب أنه سد لباب ربما يطعن من خلاله أعداء الشريعة في الإسلام بناء على أنه ليس بوحي حيث دخل فيه ماليس بوحي من الله فهذا هو مرادهم.
وأما قولك: (وأما عن (ثانيا) فهو كلام الظاهرية فقط الذين لا يعتدون بالظن الراجح؛ والنبي صلى الله عليه وسلم لما قضى بين الاثنين قال (إنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع)، وقد كان يمكنه أن ينتظر القطع بالوحي ولا يحكم بالظن.
ولا نزاع بين أهل العلم - إلا عند من لا يعتد به ممن تعرف - أننا متعبدون بالظن الراجح.)
هذا الكلام صحيح لكن مرادهم أنه إذا أمكن الوصول للحكم القطعي فهو أولى بلا شك من الحكم الظني إذا تساوى المران من جهة المصلحة لكن في تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد مصالح ولذلك عدل عن القطع للظن لهذه المصالح.
وأما قولك: (وأما عن (ثالثا) فقد اتفق العلماء أن النبي إن أخطأ في الاجتهاد فإن الوحي يصوبه ولا يتركه على خطئه كما وقع ذلك في كثير من الحوادث، فلا مجال هنا لمنافاة العصمة أو القدح في مقام النبوة.) فهو كلام صحيح لا غبار عليه.
وأما قولك: (وأما عن (رابعا) فلا تعارض بين التوقف وبين الاجتهاد، فحتى العلماء المجتهدون قد يتوقفون أحيانا كما يجتهدون أحيانا.) هذا قياس مع الفارق فالنبي صلى الله عليه وسلم توقف لانتظار الوحي مع إمكانية الاجتهاد وهذا غير وارد في حق المجتهدين فالمجتهد يتوقف لعدم قدرته عن الوصول إلى الصواب في المسألة فهنا وجد في حقه المانع وهو العجز وهو غير وارد في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قولك: (وأما عن (خامسا) فهو أيضا مبني على أن الوحي لا يأتي بالإنكار إن كان الاجتهاد خطأ) هذا حق كما سبق.
وأما قولك: (وهو أيضا مخالف لواقع كلام أهل السنة القائلين بأن الشريعة لا تتضمن مفسدة، وإنما انفرد الأشاعرة عن أهل السنة بهذا القول فقالوا الله حكيم من الحُكْم لا من الحِكْمة، فنفوا الحكمة عن الله عز وجل!) هذا كلام يحتاج إلى توضيح وهو أنا نعلم أن المصيب في الاجتهاد واحد بمعنى أن المجتهد قد يصيب الحق وقد لا يصيبه والمصلحة المقصودة شرعا مرتبطة بالحكم الصواب لا الخطأ نعم هناك مصلحة من الاجتهاد ذاته ولذلك شرع وأجر عليه المجتهد لكنه لا يصيب المصلحة إلا إذا أصاب الحق فيها فهذا وجه قولهم: ربما يكون اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يصيب الحق في اجتهاده فلا يصيب المصلحة المقصودة شرعا. والله الموفق
ـ[عبدالعزيز الألمعي]ــــــــ[19 - 12 - 06, 07:43 م]ـ
نفعنا الله بكم ..
لا حرمكم الله الأجر والثواب ...
¥