وأما الإبراد بالظهر مع ما فيه من تفويت المبادرة إلى الصلاة: فإنه من باب تقديم مصلحة راجحة على مصلحة مرجوحة، فإن المشي إلى الجماعات في شدة الحر يشوش الخشوع الذي هو أفضل أوصاف الصلاة، فقدم الخشوع الذي هو من أفضل أوصاف الصلاة على المبادرة التي لا تدانيه في الرتبة، ولهذا المعنى أمر بالمشي إلى الجماعة بالسكينة والوقار مع ما فيه من تفويت النداء وتكميل الاقتداء بالإمام، لأنه لو أسرع لانزعج وذهب خشوعه؛ فقدم الشرع رعاية الخشوع على المبادرة وعلى الاقتداء في جميع الصلوات،
وكذلك تؤخر الصلاة بكل ما يشوش الخشوع؛ كإفراط الظمأ والجوع، وكذلك يؤخرها الحاقن والحاقب، وينبغي أن يؤخر بكل مشوش يؤخر الحاكم الحكم بمثله. وكذلك تؤخر الصلاة إلى آخر الأوقات في حق من يتيقن وجود الماء في أواخر الأوقات؛ لأن فضيلة الصلاة بطهارة الماء أفضل من المبادرة إلى الجماعات، وإنما فضلت لأن اهتمام الشرع بشرائط العبادات أعظم من اهتمامه بالسنن المكملات، ويدل على ذلك أن القادر على الماء لا يتخير بينه وبين التيمم، والقادر على المبادرة إلى الجماعات مخير بين المبادرة والجماعة وبين التأخير والانفراد، ولو كانت مصلحة المبادرة كمصلحة استعمال الماء لتعينت عند القدرة عليها كما يتعين استعمال الماء، وإنما تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف، فقد فضله الشافعي على إزالة الخلوف بالسواك، مستدلا بأن ثوابه أطيب من ريح المسك، ولم يوافق الشافعي على ذلك إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره، لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية؛ ألا ترى أن الوتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر، مع قوله عليه السلام: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) وكم من عبادة قد أثنى الشرع عليها وذكر فضيلتها مع أن غيرها أفضل منها، وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فإن السواك نوع من التطهر المشروع لإجلال الرب سبحانه وتعالى، لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم لا شك فيه، ولأجله شرع السواك وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال، فكيف يقال إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه؟!
ويدل أن مصلحة السواك أعظم من مصلحة تحمل مشقة الخلوف قوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))، ولولا أن مصلحته أتم من مصلحة تحمل مشقة الخلوف لما أسقط إيجابه لمشقته، وهذا يدل على أن مصلحته انتهت إلى رتب الإيجاب. وقد نص على اعتباره بقوله: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))، والذي ذكره الشافعي رحمه الله تخصيص للعام لمجرد الاستدلال المذكور المعارض لما ذكرناه.
ولا يصح قياسه على دم الشهيد؛ لأن المستاك مناج لربه، فشرع له تطهير فمه بالسواك، وجسد الميت قد صار جيفة غير مناجية، فلا يصح - مع ذلك - الإلحاق.
ـ[أبو إسحاق المالكي]ــــــــ[20 - 03 - 07, 12:16 م]ـ
راجع لذلك إضافة إلى ما في قواعد الأحكام للعز-: كتابَ الموافقات للشاطبي، فقد تناول المسألة، فانظُرها ثَمَّ.
ـ[أبو حزم الشاوي]ــــــــ[31 - 03 - 07, 03:07 م]ـ
أبو حزم الشاوي
قاعدة (الأجر بقدر المشقة) ليست على إطلاقها، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلاً وثواباً، إما بالنسبة للزمان كقيام ليلة القدر مقارنة بقيام ليالٍ من رمضان غيرها، أو بالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في الحرم بالنسبة لصلاة ركعات في غيره
وبالنسبة إلى شرف العبادة الماليّة والبدنيّة كصلاة فريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع والله أعلم
ومما يدل على أنّ هذه القاعدة ليست على إطلاقها قوله صلى الله عليه وسلم (ذهب أهل الدثور بالأجور) فظاهر الحديث التسوية بين فضل الذكر المذكور بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة في الأخير،، والحاصل أنّ الأعمال بالنسبة للأجر على قسمين:
- قسم الأجر فيها بقدر المشقة فهذا القسم يدخل في القاعة
- وقسم الأجر فيه بحسب معنى جعله الشارع فيه (مكان، زمان، .. )
وقد جعلها الشيخ بكر في معجم الناهي من أقاويل الصوفية وقال الصواب أن يقال الأجر بقدر المنفعة
راجع: الفتح لابن حجر (2/ 397) و (4/ 157) و (6/ 10) وغيرها من المواضع، والفتاوى لابن تيمية (10/ 620) والأشباه للسيوطي، والله ينفعنا وإياك
قال ابن عباس-رضي الله عنه-: (إنما يُعطى الرجل على قدر نيّته)
ـ[ابو عاصم النبيل]ــــــــ[03 - 10 - 08, 02:31 م]ـ
لمزيد من المدارسة
ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[03 - 10 - 08, 04:28 م]ـ
أبو حزم الشاوي
قال ابن عباس-رضي الله عنه-: (إنما يُعطى الرجل على قدر نيّته)
قال صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات "
وفي الحديث: {إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ( http://www.islamweb.net/ver2/library/BooksCategory.php?flag=1&bk_no=35&ID=210#)} .
وأيضا: "" قليل دائم خير من كثير منقطع "
فهذه قواعد جليلة لابد أن نضعها نصب أعيننا.
الثاني: المسائل المستجدة،والتي يضمها المجتهد للمسائل السابقة،وتكون القاعدة معينة له في ذلك.؟
نعم تكون القاعدة معينة، وليس الأساس، فالأساس كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يضع الباحث نصب عينيه قاعدة كبرى وهي أن الشريعة متكاملة ولا تضاد بينها، لذلك نرى أن للقواعد التي وضعها العلماء شواذ تخرج عن القاعدة، أما القاعدة الكبرى فهي الأساس.
والله أعلم وأحكم.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=800771&postcount=20
¥