زار مصر عام 1956 وبقي فيها حتى عام 1963، وكان له في مصر تلاميذ وأصدقاء، وزار خلالها سورية ولبنان ألقى فيها المحاضرات حول موضوع (مشكلات الحضارة)، وفي القاهرة أصدر: (حديث في البناء الجديد)، (مشكلة الثقافة)، في مهب المعركة، (تأملات في المجتمع العربي).
عاد إلى الجزائر عام 1963 حيث عُين مديراً عاماً للتعليم العالي وأصدر في الجزائر: (آفاق جزائرية)، (يوميات شاهد للقرن)، (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي)، (المسلم في عالم الاقتصاد).
استقال من منصبه عام 1967 وتفرغ للعمل الفكري.
توفي في 31/ 10/1973 في الجزائر - رحمه الله وغفر له -.
شخصيته: يجتمع في مالك بن نبي خطان رافقاه طوال حياته، فهو شخصية عاطفية، خيالية أحياناً، يفكر بأحلام الفلاسفة ويهيم بالتجريد.
يقول عن نفسه: (أنا شديد التأثر بالحدث، وأتلقى صدمته بكل مجامعي وبانفعالية تستطيع أن تنتزع مني دموع الحزن حين يثير الحدث الحبور من حيث المبدأ) [9] وقد بكى عندما اندحر الجيش الفرنسى أمام ألمانيا عام 1940 مع أنه يكره الاستعمار الفرنسى، ويعلق هو على هذا التصرف: (رأيت في ذاتي عنصراً آخر كشف كل التعقيد في ضمير مسلم) [10] ولم يوضح ما هو هذا العنصر الآخر ولكن يبدو لي أنه عدم التوازن بين القيم الأخلاقية وأيها يصلح لتطبيقه على الحدث، وعندما سمع حديث والدته وذكرياتها عن الحج لم يستطع حبس دموعه فكان يتظاهر بالعطش ليخرج إلى الشرفة فيطلق العنان للدمع [11].
هذه العاطفة أنتجت له شخصية حالمة أحياناً، فعندما يسمع ويقرأ عن شاعر مثل (طاغور) تتفتح أمامه الأحلام عن الشرق وأن الإنقاذ ربما يأتي من روحانية الهند كما يسميها، وعندما يسمع بأنباء الخلاف بين الملك عبد العزيز آل سعود وإمام اليمن يكتب رسالة إلى سفارة اليابان يدعو حكومتها للتدخل باسم التضامن الآسيوي لمساعدة ابن سعود حتى لا تتمزق الجزيرة العربية، وطبعاً لم يستجب (الميكادو) لطلبه! وفي الجانب الآخر نجد شخصية مالك الناقد المحلل الذي يمتلك القدرة الفائقة على النفاذ لأعماق المشكلة وبيان أسبابها، من خلال النظرة العلمية الصارمة، ومن خلال اطلاع واسع على الثقافة الغربية وكيف تنشأ الحضارات مع معرفة بواقع المجتمعات الإسلامية من خلال معرفته الشخصية بالمجتمع الجزائري، وهو في مقارناته وتحليلاته يشبه سلفه المغربي المؤرخ ابن خلدون، حيث تلتقط الذاكرة كل جزئية وكل حادثة ثم يبدأ التحليل والمقارنة ثم يخرج بالنتائج التي يرتضيها، يقول عن سكان (أفلو) عندما عمل عندهم كمساعد في المحكمة: (فملكية الإنسان لأرض ما تخلق في نفسه غرائز اجتماعية قد سلم منها الراعي، ففي دعوى أمام القضاء في (تبسة) يستطيع كل فريق أن يقدم عشرة شهود زور بالمجان، وشهود كل واحد من الطرفين سيحلفان أنهما يقولان الحقيقة، أما في (أفلو) فقد لاحظت الرجل يرفض غالباً أن يحلف ولو كان ذلك لدعم حقه الواضح) [12].
وعندما أراد القيام بعمل علمي مشترك مع صديقه (ابن الساعي) فشلت المحاولة؛ فعلق قائلاً: (ولم أكن أعلم أن العمل الجماعي بما يفرض من تبعات إنما هو من المقومات التي فقدها المجتمع الإسلامي ثم لم يسترجعها بعد خصوصاً بين مثقفيه) [13].
هذان الخطان استمرا في حياة ابن نبي، فالعاطفة التي تجمح إلى الخيال أحياناً جعلته يعقد في الخمسينات آمالاً كباراً على مؤتمر باندونغ وظن أنه سيحل مشكلة العالم الثالث، ومن رفات (غاندي) سينطلق يوماً انتصار اللاعنف ونشيد السلم العالمى [14].
كما استمر النقد التحليلى المجتمع الإسلامي ومواطن الضعف فيه فتكلم عن الذين يظنون أن الإصلاح يبدأ من (علم الكلام) كالشيخ محمد عبده، يقول: (إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم على وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه) [15].
ويكتشف مالك جرثومة المرض، فالذين تركوا الطواف حول القبور وأخذ البركات من الدرويش لم يستطيعوا الاستمرار فتحولوا إلى الطواف حول وثن جديد وهو وثن الأحزاب السياسية والانتخابات [16]، ولأن العمائم أسلمت القيادة إلى (المطربشين)؛ لأن العلماء لم يكونوا على جانب من الخبرة بوسائل الاستعمار في مجال الصراع الفكري حتى يفطنوا إلى هذا الانحراف (الغوغائية السياسية).
¥