[النص التاريخي الموثق لغزوة الأحزاب]
ـ[محمد أبو عمر]ــــــــ[10 - 07 - 08, 04:07 م]ـ
[النص التاريخي الموثق لغزوة الأحزاب]
انتشر الإسلام بعد الهجرة في المدينة،وتعززت مكانة المسلمين وقوتهم خلال السنوات الخمسة الأولى، فاشتد حنق خصومهم من اليهود والمشركين؛ وخاصة بعد طرد يهود بني النضير من المدينة واستمرار المسلمين في تهديد طرق قريش التجارية.
فطاف عدد من سادة بني النضير منهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوائلي وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق على زعماء قريش وغطفان والقبائل المجاورة لهما يستنهضونهم لغزو المدينة واستئصال شأفة المسلمين فيها، (1) ووعدوهم بتأليب يهود بني قريظة الذين ما زالوا في المدينة، ووعدوا قبيلة غطفان بنصف تمر خيبر (2)، فالتقت أحقاد قريش وبني النضير وأطماع غطفان، واتفقت هذه القبائل (3) على مهاجمة المدينة، وبدأت تزحف إليها في أوائل شوال من السنة الخامسة للهجرة.
وصلت الأنباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشار وجوه المهاجرين والأنصار، فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق حول المدينة وقال: يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقناعلينا (4).
فأعجب الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون بهذا الرأي، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه في نفر من أصحابه (5) لاختيار المكان المناسب لحفر الخندق.
والمعروف أن المدينة محاطة بالحرار من ثلاث جهات، ومشبكة بالبنيان والنخيل (6) لا يستطيع جيش كبير دخولها والقتال في مساحات واسعة إلا من جهة واحدة هي الجهة الشمالية الغربية، فخط النبي صلى الله عليه وسلمالخندق في تلك الجهة، من طرف الحرة الشرقية عند أجم الشيخين (7) إلى طرف الحرة الغربية عند أطم المذاد (8).
ثم خرج صلى الله عليه وسلم بالمسلمين إلى تلك الجهة من المدينة، فعسكر عند سفح جبل سلع (9) وضربت له قبة على جبل ذباب (10)، وندب الناس وأعلمهم بدنو عدوهم وبخطورة الوضع وبضرورة الجد والنشاط في حفر الخندق حتى يتم قبل وصول المشركين (11)، و قسم العمل بينهم فأوكل للمهاجرين الحفر من جبل ذباب إلى ناحية راتج، وأوكل للأنصار أن يحفروا من ذباب إلى جبل بني عبيد (12) وأوكل لبني عبد الأشهل أن يوصلوا الخندق من راتج إلى طرف الحرة الشرقية عند أجم الشيخين، كما أوكل لبني دينار أن يحفروا خندقاً فرعياً متصلاً بالخندق الرئيسي من الجهة الغربية ويمدوه جنوباً إلى غربي المصلى حيث اجتماع وادي بطحان مع رانوناء (13).
بلغ عدد المسلمين المشاركين في الحفر ثلاثة آلاف (14)،
فخص النبي صلى الله عليه وسلم كل عشرة بأربعين ذراعاً (15)، وبدأوا يحفرون بجد ونشاط في ظروف صعبة (16)، فقد كانت السنة جدباء، والمؤن شحيحة، والفصل شتاء قارساً، والوقت اللازم لإنجاز الخندق قبل أن تصل الجموع الزاحفة إلى المدينة قصيراً.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:
اللهم إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمداً ... على الجهاد ما بقينا أبدا (17)
وروى بسنده عن أنس قال: كان أهل الخندق يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة (18) توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق، ولها ريح منتن (19).
وكان صلى الله عليه وسلم يشاركهم العمل والجوع، فقد روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بشعر ابن رواحة وهو ينقل التراب ويقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد بها صوته بآخرها (20).
وروى الترمذي عن أبي طلحة قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين (21).
¥