مع طرد المورسكيين ... وُلِدت أول دولة عنصرية في التاريخ
ـ[هشام زليم]ــــــــ[12 - 06 - 08, 04:13 م]ـ
ما سأنقله أدناه هو ترجمة لمقال للمثقف الإسباني الإشبيلي الموسوعة رودريغو دي زياس (يقال أنه من أصول عربية) كتبه بمجلة لوموند دبلوماتيك الفرنسية LE MONDE DIPLOMATIQUE عدد مارس 1997.
وهذا المقال جد مهم حيث يكشف اللثام عن وثائق جديدة تأكد عنصرية الكاثوليك والأسباب التي دفعتهم لطرد المسلمين المورسكيين من إسبانيا سنة 1609.
أترككم مع المقال:
"منذ الحروب الأخيرة بيوغوسلافيا السابقة و القوقاز, كثر الحديث عن "التطهير العرقي". هذا الإجراء الذي يهدف عبثا لخلق "طائفة متجانسة", يعتمد على طرد أو تصفية (كما في رواندا سنة 1994) أقليات متهمة بكل الشرور. من بين أشنع عمليات "التطهير" نجد الإبادة الجماعية لليهود و الغجر بأوربا في الأربعينات على يد نظام هتلر, وكذلك إبادة الأرمن خلال العقد الأول من القرن العشرين على يد الدولة التركية الفتية. لكن النموذج العصري لهذه الإضطهادات العنصرية بدأ يتكون منذ سنة 1609 بإسبانيا مع طرد المورسكيين, هؤلاء المسلمون الذين أُجبروا على اعتناق الكاثولكية خلال سقوط غرناطة سنة 1492م, وهي السنة التي طُرد فيها اليهود من البلاد.
1 - الوثائق المهمة
السير رتشارد فوكس فاسل إنجليزي, يعتبر ثاني لورد هولاند (1773 - 1840م). كان رجلا ثريا و مشهورا, لكن هذا لم يمنع من إصابته ببعض الإضطربات الصحية. سنة 1802م نصحه الطبيب بأخذ قسط من الراحة في مكان مناخه جاف و صحي. السر رتشارد اختار مدريد و استقر بها. بعد مضي سنتين تعلم اللورد الشاب الإسبانية و انشغل بالبحث عن مخطوطات لإغناء "مكتبة هولاند", هذا المقام العائلي السامق الذي لازال يثير الإعجاب بلندن. سنة 1804م اشترى حزمة وثائق مخطوطة من شخص يدعى إزدور دي أولمو. هكذا و دون أن يعلم , اشترى السير رتشارد عقد ازدياد أول دولة عنصرية في التاريخ.
رغم ذكائه و ثقافته, لم يدرك اللورد هولاند كل أهمية الوثائق التي حملها إلى لندن, حيث اكتفى بالكتابة على رأس الحزمة: "أوراق, مخطوطات, أوصاف و مراسلات مأرخة ما بين 1542 و 1610م حول المورسكيين بإسبانيا" ثم تابع " بعضها نسخ والباقي أصلي, من هذه الأخيرة بعض رسائل كونزالو لوبيز (والد أنطونيو لوبيز الشهير (1)) إلى فيليب الثاني مرفوقة بملاحظات هامشية مخطوطة أصلية تمثل ردود الملك).
في 21 نونبر 1989, عُرض مجموع هذه الوثائق في المزاد بلندن: هي الأن ضمن أرشيفي بإشبيلية تحت العنوان النوعي "مجموعة هولاند". الدراسة المعمقة لهذه المجموعة تبين حجم الجدل الذي دار داخل أعلى هيئات الدولة الإسبانية بخصوص الأقلية الإسبانية المسلمة المهمة و التي أُُجبرت على اعتناق الكاثولكية.
المشكل الإجتماعي و السياسي الذي طرحته هذه الأقلية كان هو مشكل جميع الأقليات: رفض الأغلبية لخصوصيات الأخر.
بداية , الخصوصية الدينية, لأن المورسكيين بقوا في الحقيقة مسيحيين-مسلمين. الخصوصية الإجتماعية و اللغوية كذلك, لأنهم كانوا مصرين على الحفاظ على لغنهم (العربية) , طريقتهم في اللباس, عاداتهم في الأكل و النظافة (لا يأكلون الخنزير, ويغتسلون باستمرار, الشيئ الذي لم يتقبله المسيحيون أنذاك) , و أعيادهم الخاصة. بالإضافة إلى ذلك, كان ينظر إليهم "كعميل للعدو الخارجي" أي حلفاء نشطين للإمبراطورية العثمانية. خصوصية المورسكيين كانت تجعلهم بشكل واضح "تهديدا للجمهورية المسيحية".
يتبع
2 - في اتجاه دولة عنصرية
ـ[هشام زليم]ــــــــ[12 - 06 - 08, 11:21 م]ـ
2 - في اتجاه دولة عنصرية
"منذ تأسيس محاكم التفتيش على يد الملوك الكاثوليك و جعلها جزءا لا يتجزأ من الدولة (1481 - 1483م) , كانت لإسبانيا نزعة دينية فريدة و موحدة. يمكن القول أن " القضية المورسكية" في إسبانيا أسبابها و نتائجها تذكرنا بالقضية اليهودية خلال الثلاثينات و الأربعينات و حتى بالوضعية الحالية لبعض الأقليات العرقية بأوربا وغيرها.
الفائدة الأساسية من "مجموعة هولاند" هي كشفها للتحول إلى دولة طائفية يمكن للإنسان المنتمي لأقلية طائفية أن يغير دينه للإنضمام لمجتمع الأغلبية, وحيث التحول إلى دولة عنصرية تصبح فيها الأقلية عرضة لاضطهاد المؤسسات, و فوق كل اعتبارات دينية.
على أية حال فأول خطوة في اتجاه الدولة العنصرية كانت متواضعة, وكان تاريخها أقدم من وثائق "مجموعة هولاند": سنة 1535م, أسقف كاتدرائية قرطبة طلب من البابا بولس الثالث أن يبارك فرض شرط "نقاء الدم" للوصول إلى وضيفة داخل الأسقفية. لكن البابا رفض , فلجأ أسقف قرطبة إلى الملك الإمبراطور "شارل كانت". هذا الأخير راقت له الفكرة و مارس ضغوطات على البابا لمباركة تطبيق هذا الشرط على عموم المملكة. و هكذا أُجبر البابا على القبول: كل شخص يطمح لشغل وضيفة في أسبانيا عليه إثبات عدم وجود أي عضو يهودي أو مسلم في عائلنه منذ أربعة أجيال على الأقل. هكذا أصبح هذا الشرط قانونا و لم يُلغى بصفة كاملة إلا في 13 ماي 1865, مع انقطاع بسيط خلال فترة حكم جوزيف بونبارت (1809 - 1812م)."
- يتبع -
¥