تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحياة العلمية إبان حكم العثمانيين للجزائر]

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[29 - 03 - 08, 11:50 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أول مايذكر أنه مهما كان اختلاف الناس في العثمانيين , فلا ينبغي أن يقع الاختلاف في أنهم مسلون جاءوا لحمايتها من هجمات الصلبيين , في نطاق الخلافة الإسلامية , وبعد الاتصال ببعض علمائها ووجهائها , وأن حدود البلاد لم تستقر إلاّ في في عهدهم , إلاّ أنّ حكمهم لم يكن كما ينبغي دائماً ,بل اختلف باختلاف الأحوال من استقرار واضطراب , وما تستتبعه الفتن من التجاوزات والظلم , بسبب خوف الحكام على ملكهم , وقد يسعف حال الاستقرار في سيادة العدل والإنصاف , وقد يختلف الأمر باختلاف الحكام , وفيهم الصالحون ومن هم دون ذلك , ومهما يكن فإنّ وصف الحكم العثماني في الجزائر أو في غيرها من البلدان الإسلامية بالاحتلال ابعد عن الانصاف وأو غل في الإجحاف ومن أعدل ما قيل في الحكم التركي قول محمد بن عثمان خوجة في كتابه (المرآة) , فإنه قارن فيه بين هذا الحكم وبين الحكم الفرنسي , ومما قاله: إنه يستحسن الحكم النركي مع اعترافه بمواطن الضعف والغلطات التي ارتكبت في عهد الدايات , وسبب ذلك مخالفتهم للنظم المقررة , مع المظالم التي كان الجيش يرتكبها باحتقار السكان وإرهاقهم بالمغارم , وتسخيرهم في الأعمال الشاقة. (بالنقل عن مقدمة الشيخ المهدي البوعبدلي لكتاب الثغر الجماني:53 و 54).

لم يكن التواصل بين العلماء وبين الأتراك في الجزائر مماثلاً لما عليه الأمر في الدول الأخرى التي لم تكن تحت حكم العثمانيين , كالمغرب مثلاً , ويمكن القول إن اهتمامهم بالعلم كان أقل مما عليه عند غيرهم من الحكام , وقد يكون شفيعهم في ذلك اختلاف لغتهم عن لغة الناس , ومن ثم ضعف صلتهم بالمجتمع , فلا يمكن أن يسوى مثلاً بين المنزلة التي كانت لأهل العلم في المغرب الأقصى وبين هذه المنزلة في المغرب الأوسط , ولذلك يمكن اعتبار البلاد يومئذ طاردة للعلماء فكثرت هجرتهم نحو المغرب وغيرها من البلدان.

لكن هذا لا يعني أن الأتراك لم يهتموا بالعلم والعلماء , كيفما كان الدافع إلى هذا الاهتمام , وقد يكون من المفيد هنا أن أذكر ما يدل على أنّ بعض الحكام كان يعرف كثيراً مما يجري داخل المدارس العلمية المشهورة المنتشرة في أرجاء الوطن كالجزائر ومازونة وتلمسان ومعسكر وغيرها , بالإضافة إلى المدارس الصغيرة التي لا يخلو منها حي , رغم أن تعيين العلماء في هذه المدارس لا يخضع لسلطة الأتراك غالباً كما هو الشأن في القضاء والفتوى , فإن الشيخ مصطفى بن المختار الراشدي جد الأمير عبد القادر لمّا بنى مدرسة القيطنة وقه اختياره على الشيخ عبد القادر المشرفي للتدريس فيها (الثغر الجماني). ومن أعلام هذه المنطقة أعني الراشدية الشيخ مصطفى الرماصي , وهو صاحب الحاشية على شرح التتائي على مختصر خليل , وقد كانت محل عناية وحفاوة من العلماء شرقاً وغرباً ومنهم الشيخ الدردير الذي كان أول من أدخل كتابه إلى هذه البلاد تلميذه محمد بلقندوز المستغانمي , وكذلك اعتمد على تلك الحاشية الشيخ البناني الفاسي (انظر تعريف الخلف برجال السلف 2/ 571).

وللحديث بقية إن شاء الله

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[30 - 03 - 08, 12:13 ص]ـ

وكانت مجالس البايات لا تخلو من مناقشات بين العلماء , وقد يشارك فيها البايات أنفسهم , كما ذكر أبو راس الناصري -رحمه الله- عما جرى بينه وبين أحد المقربين من الباي محمد بن عثمان الكبير في مجلسه , وهو محمد بن حسن حيث اختلف الرجلان في صحة عبارة: (كلا شيئ) , والباي يتابع نقاشهما , ثم إن أبارس الناصري كتب تأليفاً في المسألة وبعث به إلى صاحبه , فأطلع عليه الباي.

وكان الباي محمد بن عثمان وهو الذي عاصر أبو راس حكمه عظيم الاهتمام بالكتب جمعاً ومطالعة , ذكر صاحب الثغر الجماني - رحمه الله- أن الباي محمد المذكور كان يشاري كتبه بالثمن البالغ ويستكثر منها , ويستنسخ نفس مالكه بيعه , وكثيراً ما يأمر بقراءتها بحضرته في مجلس حكمه , وإذا انفض الناس انفرد بها فكانت له نعم الأنيس (الثغر الجماني).

ومن مظاهر اهتمام الباي محمد بن عثمان بالعلم " أنه رتب المدرسين في الجوامع بوظائف يأخذونها من الأحباس بعد أم كان العلماء لا ينتفعون من ناحية المخزن بشيئ إلا من كان متوليا لخطه , أو مستعملاً في خدمته , فاتسعت بذلك حال العلماء , وانشرحت الصدور للقراءة , وشرهت لها النفوس , وكثر طلبة العلم , وتشوف كل أحد للتدريس , واشتد الحرص على العلم , أن كاد يترك اشتغالاً بالتجارة لقلة جدواه. (الجزائر في التاريخ , تأليف ناصر الدين سعيدوني , والشيخ المهدي البوعبدلي 4/ 169 و170).

بل امتد اهتمام هذا الرجل إلى خارج الوطن حيث يخصص منحاً للدارسين في جامع الأزهر , ضمن الهدية التي كان قد التزم تقديمها للشيخ مرتضى الزبيدي المقيم هناك , وهو مؤلف كتاب تاج العروس , الذي شرح فيه القاموس المحيط للفيروز أبادي.

ومن ذلك أنه كان له أثر على انتشار حفظ القرآن الكريم حتى في المدينة المنورة ,فقد أرسل أموالاً مع الحجاج , وأمر ألاّ تعطى إلا لمن يحفظ القرآن من الأشراف , (الثغر الجماني).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير