[المنهج النقدي في نشر التراث]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[22 - 04 - 08, 10:34 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن المنهج النقدي في نشر التراث وقراءته أيا كان نوعه مطلوب , بل هو ظاهرة صحية في الأمة حتى تبني عقائدها , ومن ثم باقي أعمالها على الحق , وهو السبيل إلى الابتعاد عن هذا التقليد الذي أطبق علينا , وكان من أعظم أسباب تخلفنا , فلنربأ بأنفسنا عن مبدإ السكوت والتسليم الذي دأبت بعض الجهات عليه , وأدى إلى كبائر في العقائد وغيرها , تلقاها المتأخر عن المتقدم دون نظر.
إن الانتفاع بالتراث والاعتبار بالماضي لا يكون إلا إذا قوم تقويماً صحيحاً , لا إفراط فيه ولا تفريط , ولا سيما في هذا الوقت الذي تتجه فيه معظم الجهود إلى التنويه بعلماء البلد وزعمائها مدحاً وإطراء , وكأن القائمين بذلك يجارون من يريدون التعويض عن تقصيرهم في النهوض بحاضر البلد , إن لم أقل سعيهم في تخريبه , فيلجأون إلى بعث الاهتمام بالماضي اهتماماً شكلياً , يغلب عليه الطابع المظهري الاحتفالي , دون دراسة موضوعية متجردة في غالب الأحوال.
فما أقل أن تسمع كلمة فيها تقويم صحيح للرجال وفترات التاريخ كما هو المطلوب من الباحثين , ومن جازف بذلك فقلما يسلم من الأخطار , وما العهد ببعيد عن الجدال الذي احتدم في بلادنا حول كتابة تاريخ الثورة الجهادية وما يزال , حتى رفعت الدعاوى أمام القضاء ضد كل من تجرّأ على كشف المخبوء! , وهب أن الأمر سار كما أرادوا , فما القول يوم تبلى السرائر , وتفضح الضمائر , وتشهد الألسن والأيدي والجلود؟ ,
أما المنازل التي أقامها الدهماء وحتى بعض المثقفين في نفوسهم لبعض أسلافهم ذامين أو مادحين , فإنها لا تغير الحقائق , وكثير من تلك المنازل قائم على غير التقويم الصحيح , حتى إذا نقبت في سير من أفضو إلى ما قدموا , لم تجد الأمر كما ظن المادحون وفهموا.
عجباً لأمر الناس عندنا: يصغرون الكبير , ويكبرون الصغير , وكثيراً ما يعدون في الزعماء والمصلحين من سعى في إهلاك الحرث والنسل بلسانه أو بيده أو بهما , وأحسن أحوالهم أن يسكتوا إذا ذكر الصالحون العاملون , حتى إذا ماتوا دفنوا في صمت وإغماض جرس , على أنهم كثيراً ما يبخسون حقهم , وقد يشوهون سمعتهم بعد موتهم أكثر مما يفعلون بهم وهم أحياء , أما غيرهم فلو اقتصر تفضيلهم على النياحة المصطنعة في رثاء من مات لهان الخطب , علماً أن النائحة ليست كالثكلى كما قال الحسن البصري , لكن الأمر قد تجاوز ذلك إلى هذه المفاضلة الجائرة بين الأحياء , حيث يوسد الأمر لغير أهله , , والذي تعجب له من أمر الدهماء , أنهم إذا اعتقدوا في بعض الأموات صلاحاً ظنوا أن من الإحسان إليهم أن يقيموا على قبورهم ضرائح , تقصد باطلاً لقضاء الحاجات ,وتفريج الكربات , وطلب الذريات , ويتخذها أقاربهم وسيلة لجمع الأموال والاسترزاق , واكتساب المحامد والمفاخر , ويصبح ذلك من بين ما يذكر في تراجمهم وسيرهم على سبيل التنويه بفضلهم ومكانتهم , وقد يثبت ذلك لهم بعض العلماء الموثوقين!! , والأموات إن كانوا صالحين لا ضير عليهم , كما قال تعالى " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أو لئك عنها مبعدون ".
ولا ننكر أن بعض زعماء الإصلاح وقادة الجهاد , تقام لهم الذكريات , وتعقد من أجلهم الملتقيات , ويعتقد كثير من الناس أن ذلك من تكريمهم , ولكن عليك أن تبحث عن مبادئهم وقيمهم , لتعلم مدى وفاء المحتفلين بهم لهذه المبادئ , فابحث عما يربط كثيراً من الناس عندنا بالشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمه الله- فلنقتصد في هذا الزينة الظاهرة , ولنعلم أن المبالغة في تزيين الظاهر قد تنبئ برداءة الباطن:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة \\ يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
فأما إذا كان الجمال موفرا \\ كحسك لم يحتج إلا أن يزورا