[قصة الاجتياح التتري لأمة الإسلام.]
ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[11 - 05 - 08, 05:35 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
الاجتياح التتري الأول للأمة الإسلامية
فكر "جنكيز خان" في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان، لأن المسافة كبيرة بين الصين والعراق، ولابد من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين، كما أن هذه المنطقة التي تعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية، وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة، وأموالها وفيرة، هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع تكتيكيًا أن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد ..
كل هذه العوامل جعلت "جنكيز خان" يفكر أولاً في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية والتي تُعرَف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية، وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية مهمة مثل: أفغانستان وأوزبكستان والتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وباكستان وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة "أورجندة" (في تركمنستان حاليًا) ..
وكان جنكيز خان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم (محمد بن خوارزم شاه) على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيز خان من أولئك الذين يهتمون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خوارزم ليؤمن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرق آسيا، فأما وقد استقرت الأوضاع في منطقة الصين ومنغوليا، فقد حان وقت التوسع غربًا في أملاك الدولة الإسلامية ..
ولا مانع طبعًا من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة، وهي سنة في أهل الباطل: "أو كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون" .. البقرة: 100
ولكن حتى تكون الحرب مقنعة لكلا الطرفين، لابد من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادعاء بأن الاتفاقيات لم تعد سارية، وقد بحث جنكيز خان عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد ولكن ـ سبحان الله ـ لقد حدث أمر مفاجيء بغير إعداد من جنكيز خان، وهذا الأمر المفاجيء يصلح أن يكون سببًا مقنعًا للحرب، لقد جاء هذا السبب مبكرًا بالنسبة لإعداد جنكيز خان ولرغبته، ولكن لا مانع من استغلاله، ولا مانع من تقديم بعض الخطوات في خطة الحرب، وتأخير بعض الخطوات الأخرى ..
فما الذريعة التي دخل بها "جنكيز خان" أرض خوارزم شاه؟!
لقد ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة " أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه، ولما رآهم حاكم المدينة المسلم أمسك بهم وقتلهم، وقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة ..
وعندما علم جنكيز خان بأمر هذه الحادثة أرسل إلى محمد بن خوارزم شاه يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه، ولكن محمد بن خوارزم شاه اعتبر ذلك تعديًا على سيادة البلاد المسلمة، فهو لا يُسلِّم مجرمًا ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى .. غير أنه قال: إنه سيحاكمهم في بلاده, فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية ..
وهذا الكلام وإن كان منطقيًا ومقبولاً في كل بقاع الأرض إلا أنه بالطبع لم يكن مقنعًا لجنكيز خان .. أو قل: إن جنكيز خان لم يرغب في الاقتناع، فليس المجال مجال حجة أو برهان أو دليل ..
حقيقة الأمر أن جنكيز خان قد أعد لغزو بلاد المسلمين خططًا مسبقة .. ولن يعطلها شئ .. وإنما كان يبحث فقط عن علة مناسبة أو شبه مناسبة، وقد وجد في هذا الأمر العلة التي كان يريدها ..
وبدأت الهجمة التترية الأولى على دولة خوارزم شاه عام 616هـ، فقد جاء جنكيز خان بجيشه الكبير لغزو خوارزم شاه، وخرج له محمد بن خوارزم شاه بجيشه أيضًا والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر سرداريا ويقع في دولة كازاخستان المسلمة، وقُتِلَ من الفريقين خلق كثير، فقد استشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان، وانسحب "محمد بن خوارزم شاه" بجيشه لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب ليحصن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة، وخاصة العاصمة أورجندة ..
¥