تم إثرها إلقاء القبض عليه و سيق إلى سجن سيدي عيش، حيث حقق معه زبانية الاستعمار و لكن المواطنين تداعت جموعهم و ذهبوا وفودا متتالية مطالبين باطلاق سراحه، و نظرا لوجود الكثير من زعماء القبائل و الاعراش، و الملاك من بين هؤلاء المواطنين فقد اضطرت السلطات الاستعمارية الى اطلاق سراحه، مع قرارها بنفيه الى آيت ايراثن لمدة سنة مع الاقامة الجبرية، حيث لم يزر مدينته تاغراست خلالها.
- كان محمد السعيد من القلة التي بقيت على الوفاء الشديد لمشايخهم في محنتهم بعد هزيمة ثورة 1871 م، فكما كان يزور شيخه ابن الحداد في معهده بصدوق، كذلك زاره في سجنه بقسنطينة يوم القي عليه القبض و نقل الى هناك.
و كذلك زار ابن عمه و مربيه و شيخه محمد وعلي السحنوني لما سجن بالجزائر، و روي انه كان يزور مشايخه و هو متنكر في زي احد العمال المرخص لهم بالدخول الى السجن، و يروي انه زار الشيخ محمد وعلي بهذه الصفة في اليوم السابق لمحاكمته، و قد بقي على هذا الوفاء لشيخه حتى بعد نفيه من الجزائر و استقراره بالحجاز.
و قد كانت له صداقات و اتصالات و مراسلات بعلماء الجزائر، و خاصة الشيخ حمدان لونيسي شيخ عبد الحميد بن باديس، الذي كان يزوره بين الفينة و الاخرى بمدينة قسنطينة، و قد كان معه ظمن الجماعة المحافضة التي عارضت تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنسي، و التي قادت حملة المقاطعة الاقتصادية للسلع الفرنسية، و استغلت في ذلك الجانب الديني للجزائريين، فقد شرحوا للشعب مثلا ان الشمع ممزوج بشحم الخنزير، و كذلك السكر الذي اشيع انه مصنوع من عظام البشر الاموات، و الزيوت المختلة بالخمور و غيرها من الفتاوي التي كان الهدف الرئيس من ورائها هي رفض و مقاطعة كل ما هو فرنسي.
و قد بلغت بهما الصداقة ان الشيخ حمدان لونيسي لما قرر الهجرة استشار الشيخ محمد السحنوني كتابة (توجد هذه الرسالة ضمن وثائق المعهد السحنوني) و قد بعث هذه الرسالة مع تلميذهما المشترك الشيخ ابي القاسم طعيوج، و قد طلب منه ان يهاجر معه، و قد اجابه الشيخ مباركا له هذه الخطوة، معتذرا له بانه لا يستطيع التخلي عن تسيير معهده، و القيام بشؤون عائلته و عائلة ابن عمه و مربيه و شيخه محمد السعيد الذي كان الاستعمار الفرنسي قد القي عليه القبض بعد نهاية ثورة 1871 م، مع قادة هذه الثورة، و تم نفيهم الى مدينة " كايان " بجزيرة قيانا الفرنسية الموجودة في المحيط الاطلسي بامريكا الجنوتية، و بعد ان اطلق سراحه اختار الحجاز منفى له، حيث عاش بقية حياته بالمدينة المنورة، و فيها توفي، و دفن بالبقيع كما كان يتمنى، و قد حقق الله امنيته.
و قد قام الشيخ السحنوني على شؤون عائلة شيخه احسن قيام، و كانا يتراسلان منذ افتراقهما بعد رجوهما من منفاهما ببني عباس و بني وغليس، ز بين ايدينا تسع رسائل للشيخ محمد السعيد، و كلها بيتدئ هكذا: '' الى ابن قلبنا، و غاية ودنا الشيخ سيد محمد السعيد السحنوني ....... ، سلام الله عليك مع الرحمة و البركة ''.
نذر الشيخ محمد السعيد نفسه لمهنة التعليم، و الوعظ و الارشاد منذ انس من نفسه القدرة على الافادة و تبليغ العلم الى من يريده منه، و رغم ما يتصف به من ذكاء حاد، و حسن استخراج المسائل، و معالجة المشاكل العويصة التي تعرض له او تعرض عليه، فاننا نجد ثقافته لا تخرج عن الاطار التقليدي العام لثقافة ذلك العهد، وخاصة و قد اقتصر في التلقي على قلة من المشايخ هنا و هناك، الا ان همته العالية اكثر من ثقافته.
و كانت له في امر يتصل بالتعليم بسبب، و هو نسخ المصاحف و الكتب، و خط واضح مقروء، و هذه عادة دارجة عند مثقفي ذلك العهد. و يقول عارفوه ان له قوة الاقناع، و التفهيم و التحليل و التعليل، و اجتذاب انتباه السامع، و هذا من صفات الدعاة. كما ان قيامه بالعمل في تبك الاماكن وقتا طويلا، و مرانه و تمرسه الطويل بالمشاكل اليومية العارضة جعله يتعمق بمعرفته اسرار الشعب و اماله و آلامه، و لذا كان لكلامه وقعه المطلوب في نفوس السامعين.
و فاته:
بعد حياة مليئة بالجهاد في سبيل اعلاء كلمة الاسلام و نشر العلم و الوعي توفي الشيخ رحمه الله سنة 1914 م بعد اندلاع الحرب الكونية الاولى بشهور.
أخذت معظم مادة هذه الترجمة من مقال للأستاذ علي أمقران السحنوني بعنوان " الشيخ محمد السعيد السحنوني " منشور بجريدة العقيدة عدد 76 - الأربعاء 1 شعبان 1412 ه / الموافق ل 8 فيفري 1992 م.