قال: ((والرِبض بالكسر من البقر جماعته حيث تربض –و الربض بالضمّ وبضمّتين ويُفتح ويحرّك، الزوجة لأنها تربّض زوجها –وربضتْ الشاة ربضاً وربضةً وربوضاً كبركت في الإبل. قال في تعريف الشاة: و الشاة الواحدة من الغنم للذكر وأنثى. أو يكون من الضأن و المعز و الظباء و البقر و النعام وحُمُر الوحش و المرأة))، انتهى – و الربّاض ككتان الأسد- وربض الأسد على فريسته و القِرن على قٍرنه بَرَكَ – واربض الإناء القوم أرواهم حتى ثقلوا وناموا ممتدّين على الأرض. وغير ذلك وكلها بمعنىّ. وورد في الصحاح: ((وربوض الغنم و البقر و المعزى و الفرس و الكلب مثل بروك الإبل وجثوم الطير – وأربضت الشمس اشتدّ حرّها حتى ربض الظبي و الشاةُ –وقولهم: دعا بإناءٍ يُرٍبض الرهط أي يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا.
وقال في المصباح المنير في كتاب ((الراء)): ((ربضت الدابّة ربضاً من باب ضرب، وربوضاً وهو مثل بروك الإبل)). وقال في كتاب ((الدال)): ((وكل حيوان في الأرض دابّة وأمّا تخصيص الفرس و البغل بالدابّة عند الاطلاق فعُرف طارئ)). وقال في القاموس: ((والدابّة ما دبَّ من الحيوان وغلب على ما يُركب)).
وقال في الكليّات: ((الدابّة تقع على كلّ ماشٍ في الأرض عامّة، وعلى الخيل و البغال و الحمير خاصّةً)) انتهى. وهنا اعتبار دقيق لا يخفى على اللبيب. وفي ما أوردناه كفاية، فقد وضح بأجلى بيان وأصرح عبارةٍ من كلام أشهر علماء اللغة وأئمتها أن (المرابض) لا يختصّ بصنفٍ من الدوابّ فضلاً عن أي لا تتعين للغنم. فتأمّل.
وأمّا ((المرابط)) التي قال إنها للخيل على وجه التعيين، فالصحيح أنها مشتركة أيضاً. قال صاحب القاموس: ((والمِرْبَط كَمِنْبَر. ما رُبط به الدابّة كالمِرْبطة وكمقْعّدٍ ومَنْزِل موضعهٍ)).
وقد مرّ قُبَيل هذا من عبارة صاحب المصباح وغيرهِ في تفسير الدابّة ما يغني عن التكرار.
وفي الصحاح: ربطتُ الشيءَ أربُطهُ واربِطهُ أيضاً عن الأخفش أي شددتهُ. و الموضع مَرْبَط ومَرْبِط. يقال: ليس له مربط عنزٍ. وفلانَ يرتبط كذا رأساً من الدوابّ. ويُقال نعم الربيط، لِما يرتبط من الخيل. انتهى. ولا حاجة إلى الإسهاب بإيراد غير ما ذُكِر وفي كتب اللغة ما يكفينا ويكفيه.
ومن المستغرب إن الإمام مع طول اشتغالهِ باللغة وحسن نقدهِ فيها، قد سقط في مثل هذا مما لا يكاد يُصدّق عن مثله. ولهذا يترجّح عندي أن ذلك قد وقع منه من باب التسرّع بأن قلمه قد سبق فكره فأثبت ما كتبه قبل الثقة بصحته. وكثيراً ما يقع ذلك للكتاب فيسقطون في ما لا يُظنّ أنهم يجهلونه.
ومن هذا الباب قوله في كتابه سرّ الليال، في الصفحة [3] المسمّاة آنفاً (فلهذا كان أقصى همي أن أغوص في بحر هذه اللغة عن دراري أسباب هذه الألفاظ)) إلى آخره. فإن المراد بالدراري بتخفيف ((الياء)) وبعدها همزة، أو بتشديدها بلا همزٍ: الكواكب. ولا يتصوّر الغوص في البحر على الكواكب. و المقام يقتضي الدُرَر وهي اللالئ فيستقيم المعنى كما لا يخفى.
وهنا أمسك عنان القلم اكتفاء بما ذُكر عما لم يُذكَر على أنني علّقته ما علّقه عن غير اختيارٍ مني كما أشرتُ في ما سبقَ، ولكن قد جرى القلم ولعلي في جانب العذر. ولم أتخطّ في الجوائب ما نحن فيه من كلامه،حاشا الأبيات التي رثاه بها فإنه لا يليق مقابلتها إلا بالقبول. كما أنني في ما تداركتُ على سر الليال، لم أيتجاوز الصفحة الواحدة ولم أورد منها إلا ما ساق إليه أسلوب الكلام مما احتمله المقام.
ولا بدّ من ملاحظة ما ذكرهُ صاحب الجوائب مراراً في أثناء انتقاده من الاعتذار عن أبي، رحمه الله، في ما احتسبه خطأ منه. وكأني به وراء ذلك يقصد بسط العذر لنفسه أيضاً في وجه مَن ربّما خيّل له الواقع أن الذمَم عنده تموت بموت صاحبها، و العياذ بالله. وذلك مما تأباه أخلاقه ولا يرضى به من تحلى بشعائر الكرم و الشهامة. فإنه قد حفظ له ذلك العهد زمناً ينيف عن ستين سنة وبينهما مسافةٌ من الأرض. فمن أصعب ما يُخال التسليم بأنه قد تنازل إلى نكثهِ معه حين أصبح ولا مُطالِبَ بهِ إلا أمانته وذمته.
هذا ما خطر لي تعليقه من هذا القبيل. وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً إلى سواء السبيل. وهو حسبُنا ونعم الوكيل.
¥