تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إنه بعد أن لط في فطحل اسم رجل، انتقلَ إلى الاعتراض على قولي في سر الليال لكنهم عدلوا عن هذه الجادة إلى جادة أخرى جاهدة. فقال: ((إن ذلك لا يجوز في السجع، وإنما تكون الجادّة بإزاء النادّة مثلاً، وجاهدة بإزاء شاردة)). و الجواب إن إنكاره هذا من غير دليل ليس بشيء. وإنه كما يصح أن يقال مثلاً ((عظم جدهُ كذلك يصحّ أن يقال جادّة وجاهدة. نعم إن الأحسن أن تكون الجادّة مقابلةً، للمادة، غير أن الأحسن لا ينفي الحسن. كما أن الأفصح لا ينفي الفصيح)).

وبعدُ فمن أين عَلِمَ أني مقيّدٌ بالسجع في جميع هذه الفِقَر. وقوله (إن لفظة النادرة مختلة لفظاً ومعنى)).فهذا الاختلال إنما نشأ من قصور فهمه. فإن المراد بالنادرة هنا معنى الشاذة، فإن صحّت هذه صحّت تلك وإلا فكان يجب عليه أن ينكر الشاذة أيضاً.

وقله: ((إن أهل بيروت لا يستعملون مفرد الفطاحل وإنما هي مسموعة عندهم بصيغ الجمع ((فقط) يكذبه ما حرره الفاضل سليم أفندي نوفل فإنه قال في كتاب أرسله إليّ من بطرسبرغ: وأما لفظة ((الفطحل)) فإني وجدتها غير مرّة في رسائل قُسٍ من أهل بيروت يستعملها في محل علاّمة أو فحل رجال، بل جمعَ بها مرة في خطاب ألقاهُ أمام أحد الكروش في بيروت. اهـ.

وما أورده الفاضل الموما إليه كان على سبيل الاتفاق وكان من جملة الألفاظ الحوشية التي وجدها في الجنان فأنكرها. أما قول اليازجي: إن قصدي بإيراد هذه اللفظة ظاهر. فالأظهر. أن يقال إنه ندب أضرابه من أهل بيروت للتحزّب معه عليّ.

ثمّ إنه انتقل إلى لفظة المرابض وقال (إن تخصيصي لها بالغنم وهمٌ وإن الصحيح أنها عامّة تتناول جميع الدابّة لأنه يقال ربضت الدابّة)). و الجواب إن كلامه كله في هذه اللفظة خلطٌ في ثلط وخبط في خبط، لأننا إذا سلمنا باشتراك الفعل لم ينتج منه اشتراك اسم المكان. فإن العرب كثيراً ما تفرد اسم المكان بمعنىً مخصوص من معاني الفعل المتعددة وذلك لكثرة استعمالها له. فمن ذلك لفظة المحافل فإنها لا تُستعمل عند الإطلاق إلا بمعنى المجالس التي يحفل فيها أي يجتمعون. مع أنه يقال حَفل الماء واللبن كما يقال حفل القوم، فإن أراد الشاعر الرجوع إلى أصل الفعل كان لا بدّ له من التقييد، كأن يقول مثلاً محافل الماء. وأمّا عند الإطلاق فينصرف المعنى إلى المجالس. وأمثال هذا كثيرة، ومن القبيل لفظة المرابض. قال في العباب: المرابض للغنم كالمعاطن للإبل. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل. وقال في لسان العرب: و المرابض للغنم كالمعاطن للإبل، واحدها مربض مثال مجلس. وقال صاحب القاموس: وربضت الشاةُ تربض ربضاً وربضة وربوضاً وربضةً حسنةً بالكسر، كبركتْ في الإبل ومواضعها مرابض. وقال صاحب الصحاح: و المرابض للغنم كالمعاطن للإبل. وقال صاحب المصباح في أول المادة: و المربض وزان مجلس للغنم، مأواها ليلاً. فأنت ترى أن أئمة اللغة خصّوا المرابض بالغنم و المعترض اقتصر على ذكر الفعل مغالطةً وتمويهاً. على أنه عين الاعتراض عليه. فقد جاء في لسان العرب: ربض بالمكان يربض إذا لصق به وأقام ملازماً.

فهل يصحّ عنده إطلاق المرابض على الناس؟ فإن أصر على المكابرة و العناد بعد هذا النص الصريح،فأئمة اللغة في هذا العصر تحكم بيننا.

أمّا قوله: ((والظاهر أن هذا المعنى (أي الربوض) مأخوذٌ في الأصل من الربض بفتحتين وهو الأمعاء ومجتمع الحوايا في البطن، يستعمل للدابة لأن ربضها حينئذٍ يلاصق الأرض فيقال ربضت وهذا لا يختصّ بدابّة دون أخرى))، فمنتهى التشدّق و التبلتع لأنه يقال له إذا كان المربوض من الربض بفتحتين. فمن أين أخذ الربض؟ بل الأولى أن يقال إن الربض للأمعاء من معنى الملاصقة من قولهم ربض بالمكان إذا لصق به، كما أشار إليه صاحب لسان العرب. إذ القاعدة أن الأشياء الظاهرة ـكون أصلاً للباطنة كما أخذ العقل من عقلت البعير، و الحكمة بالكسر من الحَكَمَة بفتحتين و الذكاء لتوقد الذهن من ذكت النار، ومثله ثقوب الفكر كما أشرت إليه في مقدمة سر الليال صفحة 11. وأصل معنى ربض ربّ، أي لزم المكان وأقام به كأرب. ومثله لبّ وألب، وهذا المعنى وارد في ربث وربد وربص وربع وربغ. ويقرّب منه ربط وربق فتأمّله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير