فأمّا الآن وقد عدل إلى ما عدل إليه، وقد بيّنت للواقف على هذه المناقشة مبلغ ما عندهُ من العلم فلا يلزمني بعدها مساجلته ومناظرته و التعرض لسهام قذفه، لأن آدابي ليست كآدابه وأطواري ليست كأطواره، ولا أرى له بعدها حقاً في الدخول إلى مجلس المساجلين، ولا رأي لي في مواطأته على ما ذهب إليه. ومعاذ الله فذلك من قِبَلي باب مُحكم التوصيد.
ليس الوقيعة من شأني فإن عَرَضت أَعرضتُ عنها بوجهٍ بالحياء نَدِي
إني أَضنّ بعرضي أن يُلِمَّ بهِ غيري فهل أتولى خرقه بيدي
انتهى
ابراهيم اليازجي
ـ[أبو الطيب أحمد بن طراد]ــــــــ[26 - 06 - 10, 07:30 ص]ـ
معركة فارس الشدياق
الصحفية مع إبراهيم اليازجي
(3)
[في مظنة الانفراد و الذّمة]
فمما خطّأني به قولي: مظنة الانفراد. وقد وردت في الطبع بفتح ((الظاء)). ومن هذا القبيل قولي الذّمة و الذَمم بضم ((الذال فيهما)). والصواب الكسر في الكل. فزعم أن ذلك خطأ مني وأخذ يتشدّق ويتمطّق بما لا طائل تحته. فقال: ((إن أجهل العامة في بيروت ولبنان يقول عند الحَلف على ذمّتي بالكسر)). وبالمُوجَب أقول إن أبلغهم أيضاً يلفظها بالدال المُهمَلة مع تسكين الميم المشدّدة. فما رأي الإمام، أَيصحّ أن نجري على لفظهم؟ وهذا مثل قوله: وأهل بيروت يقولون فحطل أو فطحل على تقدير غلط الطبع. والإنكليز يقولون بابي [ Baby ] بإمالة الألف، بمعنى الطفل. وأهل مالطة يقولون الحب بمعنى الجَيب (نقلاً عن سرّ الليال). وما أشبه ذلك مما يطول شرحه.
وعلى فرض أني علّقت هذه الحركات بيدي ورآها بخطّ قلمي. فأي غلطٍ جسيم ارتكبته هنا؟ وأية قاعدة خالفتها؟ وما المعنى الذي فسد بهذا التغيير؟. ولعمري إن كل هذا أدنى إلى أن يكون غلط طبع ٍ من قوله ((الدراري))، وهو أيسر كثيراً لأن غلطة ((الدراري)) تقتضي بهبوط النجم إلى قعر البحر و العياذ بالله. ولا عجب لأن فيها زيادة ألفٍ وياءِ. وأنت تدري شأن هذين الحرفين اللذين لا يُكنى بهما إلا عن كل أمر جسيم. فأين هذا في المظنة و الذمم؟ على أن اعتراضه على الذمم هو عين الاعتراض عليه و الشاهد بقصوره. فإنهم قد أجازوا الضمّ في جمع المكسور أيضاً كالذُمم و الحُلى، جمع الحِلية بالكسر. و العكس في العكس كالصِورَ، جمع الصورة بالضمّ. فتذكّر.
ثم خطأني في قولي: على أن تصديّ، بتشديد الياء. قال: و الصواب تصديي بلا تشديد. فلا ريب إن هذه إحدى آياته وكُبرى معجزاته. وأنت تدري أن لكل شيء طرفين بينهما حدّ الاعتدال فكلاهما منحطان عنه ونسبته إلى كليهما سواء. ألا ترى أن الإنسان إذا تناهى في الشيخوخة تخلّق تارةً بأخلاق الأحداث وربما تجاوز فعمّ الشبه. ولذلك قيل: إذا شاب المرء شبّ فيه خلّتان، الحرص وطول الأمل. والظاهر أن هذا من ذاك. وقال الشاعر:
إن البدر أَوَّله هلالٌ وآخره يعود إلى الهلال ِ
وكذا من تناهَى في العلم وأسراره فقد يلتبس عليه ما لا يلتبس على الأغبياء، ولذلك ينبغي أنك كلما رأيت صاحبنا قد أوغل في ارتكاب الغلط تتخذ هناك دليلاً على شدة تعمقه في المباحث العلميّة، وعليه يجب أن تُحمل هذه المسألة. وإن كانت لا تعجبك هذه الفتوى فدونك ورأيك. وما أظنك تحتاج أن أصرّح لك بأني عندما انتهيت إلى هذه المسألة هممتُ مراراً بترك الجواب أصلاً، لا استخفافاً بقدر الإمام شرّفه الله، ولكن لأن أشغالي لا تأذن لي في التفرّغ لمثل هذه المباحث مما يتطارحه غلمان المكاتب. وشهد الله إنه لم يكن يخطر ببالي أن مثل مولاي يغرب عنه أمرٌ كهذا ثمّ لا يلبث أن يخطئني به. فسأحمل نفسي مع ذلك على إيضاح هذه المسألة لئلا تبقى حاجة في نفس يعقوب، وما أوضحُها له إلا من نصوص الأئمة. رحمهم الله. قال الإمام ابن مالك في أرجوزته المشهورة:
آخِرَ ما أضيف لليا اكسُر إذا لم يَك معتّلاً كرام ٍ وقَذَى
أو يكُ كابنَين وزيدينَ فذي جميعها اليا بعدُ فتحُها احتُذِى
وتُدغَم اليا فيه و الواو وان ما قبلَ واو ٍ ضُمّ فاكسره يهِن
¥