تلقى الشيخ بتمنطيط ما قدر الله له من العلوم الشرعية والعربية، من توحيد وفقه وحديث وتصوف وتفسير وآداب ونحو ولغة وصرف على يد العلامة الشيخ أحمد ديدي عالم وقته ومصباح زمانه، حيث مكث عنده ثلاث سنوات، كانت بأيامها ولياليها ميدانا فسيحا للعمل المتواصل، تقدر حصيلتها بثلاثين سنة – فيما بعد - لأن مواهب الإله لا توزن بمقاييس ولا تقدر بأزمان؛ حيث انتهى الشيخ في هذه المدة الوجيزة من دراسة الفقه المالكي بالأمهات، والتوحيد بالأدلة والبراهين، والنحو والصرف، واللغة مع سرد وشرح صحيح البخاري.
وأثناء هذه المرحلة كانت له اتصالات متعددة بعلماء وقضاة المنطقة مثل: عبد الكريم الفقيه البلبالي (بني تامر)، والشيخ بوعلام (ملوكة) والشيخ القاضي (محمد بن عبد الكريم البكري ابن عم الشيخ أحمد ديدي)، وغيرهم من علماء الإقليم للمذاكرة معهم والاستفادة منهم والبحث في المشكلات العلمية التي قد لا يتمكن من مراجعة الشيخ أحمد فيها، مما وسع معارفه وجعله على دراية واسعة بالنوازل والفتاوى التي وقعت في الإقليم إلى أن صار متمكنا راسخا، طوداشامخا.
وفي رحلته إلى تمنطيط يقول الشاعر أحمد بن عبد القادر الطلحاوي:
وعند ما بلغ الشيخ سن الرشاد ... خرج صحبةخاله من البلاد
واتجه نحو ديار تمنطيط ... وكانت قبلة للعلم والتخطيط
لشيخه سيدناأحمد بن ديدي ... شيخ تمنطيط بلا تردد
منه تعلم ثلاث سنوات ... لكنها كانت لهكالعشرات
الشيخ في تلمسان:
بعد ثلاث سنوات من الجد والكد في تحصيل المعرفة، عاد بلكبير إلى أبيه ليستأذنه في الذهاب إلى فاس ليتم دراسته في جامع القرويين، فلم يأذن له ولكنه أذن له في الذهاب إلى تلمسان للأخذ من الشيخ عبدالرحمان بن بوفلجة، هذا الأخير الذي كان عالما زاهدا ورعا، عارفا بعلوم الشريعة.
ونذكر هنا أن الشيخ محمد بلكبير لم يكن لديه المبلغ الكافي ليذهب به إلى تلمسان إلا ما جاد به عليه شيخه أحمد ديدي، والمتمثل في 150 سنتيم (30 دورو)، وهو المبلغ الذي استعمل جله للوصول إلى تلمسان، ولم يبق منه إلا 20 سنتيم أهداها إلى شيخه عبد الرحمان بن بوفلجة.
ولقد كان للشيخ محمد بلكبير اتصالات بعلماء تلمسان، كما كانت له رحلة إلى المغرب الأقصى، زار فيها جامع القرويين بفاس، واتصل بعلمائه واستفاد منهم.
وبعد أن أخذ بغيته من الشيخ بوفلجة، واشتهر أمره بالمنطقة طلب منه أن يشتغل بالتعليم القرءاني، والإرشاد بناحية العريشة ثم بالمشرية.
وبقي محمد بلكبير ما بين تلمسان والعريشة والمشرية خمس سنوات، تزوج خلالها وأنجب بنتا ماتت وهي طفلة.
وقد تخرج على يديه في تلك الفترة أئمة وفقهاء ومعلمين وغيرهم.
وفي رحلته إلى تلمسان يقول الشيخ أحمدبن عبد القادر الطلحاوي:
واتجه نحو ديار تلمسان ... لأجل التزود بتفاسيرالقرءان
والتقى بالشيخ سيدي عبد الرحمان ... بن بوفلجة شيخ ديار تلمسان
من دريةالشيخ سيدي أحمد بن موسى ... وكان للشيخ جليسا أنيسا
ومعه راجع شرح خليل ... كذاالتفاسير بالنص والدليل
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[16 - 07 - 08, 03:37 م]ـ
الشيخ في تيميمون:
عاد الشيخ من تلمسان إلى مسقط رأسه "بودة" استجابة لدعوة والده الذي بعث في طلبه بعد أن أحس بالتعب والوهن.
وما إن استقر محمد بلكبير في بودة حتى علم به بعض أعيان تيميمون فطلبوه ليكون معلما عندهم للقرءان والفقه والعلوم الشرعية، وذلك سنة 1943م.
فكان يلقي الدرس ضحى لأعيان المنطقة، ثم بعدها يلقي درسا آخر للصغار، وقد اتبع في ذلك خطوات للتدريس وهي: قراءة القرءان في الألواح - قراءة القرءان الكريم جماعة - (الحزب الراتب) بعد صلاة المغرب- تدريس علم التجويد وعلم الضبط - تدريس علم التفسير - إلقاء دروس في السيرة النبوية - قراءة المتون في الألواح وجماعة يوم الأربعاء - إلقاء دروس الفقه للتجار والطلبة الصغار الداخليين.
ومن المتون التي كان الشيخ يلقي بها دروسه وكان يحث طلبته على حفظها:
- متون التوحيد: السنوسية – الجوهرة - الأوجلي- إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة (وكلها على معتقد الأشاعرة).
- متون الفقه: المرشد المعين – العبقري - أسهل المسالك - رسالة ابن أبي زيد القيرواني - مختصرخليل (وكلها في الفقه المالكي).
- متون اللغة: الأجرومية - مُلحة الإعراب - ألفية ابن مالك.
- متون الأدب: سراج طلاب العلوم - نصيحة الهلالي - نصيحة الشباب والهدية. وغيرها
ومن بين الطلبة الذين درسوا على يد الشيخ في مدرسة تيميمون:
عمار أقاسم - والحاج سالم بن إبراهيم (الخليفة الروحي للشيخ ومؤسس مدرسة للتعليم الشرعي بآدرار وعضو المجلس الإسلامي الأعلى) والحاج عبد القادر أخ الشيخ بلكبيروغيرهم.
وقد مكث الشيخ في تيميمون حتى أواخر سنة 1948م، وما عرفه أهل المنطقة إلا رجلا ورعا زاهدا عما في أيدي الناس، محبا وأخا كريما ومدرسا ومفتيا، ومصلحا بين الناس، لا يمل ولا يكل في الاجتهاد وطلب العلم.
ونذكر هنا أن مدرسة تيميمون قد تم غلقها بدفع من السلطات الفرنسية سنة 1948م، والتي ساهمت في خلق شقاق بين الشيخ محمد بلكبير من جهة وأعيان منطقة تيميمون من جهة أخرى، بعد أن تمت مقاضاة أحد مساعدي الشيخ بلكبير - ظلما - من طرف السلطات الفرنسية في قضية مشهورة.
وهو الأمر الذي جعل الشيخ يقسم ألا يبقى في بلد يسجن فيه العلماء فعاد إلى بودة (لغمارة) في أواخر سنة 1948م وعاد معه الطلبة الذين درسوا عنده في مدرسة تيميمون، نذكر منهم على الخصوص لا الحصر: أخوه الحاج عبد القادر والحاج سالم بن إبراهيم.
¥