ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[16 - 07 - 08, 03:51 م]ـ
شخصيته:
إن الحديث عن الشيخ بلكبير هوحديث عن شخصية فذة وفريدة من نوعها وكأن الله قد خلقه لأمر عظيم وهيأه لخطب جسيم، فأولع في نفسه حب العلم والتعلم وأهلهما.
وقد كان آية في الحفظ والأخذ عن المشايخ، حتى فتح الله له أبواب العلم والمعرفة، ويسر له خزائنها، فكانت بين يديه مفاتيح علوم شتى من علوم الدين والدنيا.
ملامحه:
كان الشيخ رحمه الله له من المهابة والشموخ ما يجعل منه طودًا لا تزحزحه الرياح، حتى أنه ليخيل لمراقبه تلك العظمة المشرقة والمتزينة بأنوار الزهد والعطاء.
فكان رحمه الله أبيض اللون يشوب بحمرة ربعة، لا هو بالطويل ولا بالقصير - وهو إلى القصر أقرب - أبيض الشعر، جميل المنظر، عذب الكلام، ثاقب البصيرة، سريع الفهم، هادئ الطبع، قوي الشكيمة لايخاف في الله لومة لائم.
مذهبه في الفقه:
لقد عرف على أهل المغرب العربي أنهم مالكية المذهب، وذلك منذ عصر المرابطين أين انتشر هذا المذهب في مختلف ربوع بلاد المغرب، وهو ما جعله يتأصل بين الفقهاء وعلماء المنطقة الذين بادروا إلى تعليمه وشرحه بل والإفاضة فيه بالكتب والمخطوطات والتفاسير والمتون.
وهو الأمر الذي جعل الشيخ يبادر إلى دراسة هذا المذهب منذ نعومة أظافره، وذلك على يد معلمين ومربيين من شيوخ المنطقة التواتية.
ولهذا فالشيخ كان مالكي المذهب، درس الفقه المالكي وتبحر فيه حتى أفاض على طلابه بزبدة هذا المذهب من شروح وتفاسير في مختلف الأمور الفقهية.
لكنه لم يغفل عن دراسة بقية المذاهب، بحكم الاجتهاد والبحث والتقصي مما مكنه من الوقوف على أهم مشكلات عصره وزمانه في المسائل الدينية ذات الاتجاه الفقهي، بل وكانت له فتاوى واجتهادات شخصية تجعله في مصاف العلماء.
ومن الأمثلة على تلك الفتاوى، ما قاله عندما سئل عن السدل والقبض:
"ينبغي ألا ينكر السادل على القابض ولا القابض على السادل، وإذا وجد القابض جماعة يسدلون سدل، وإذا وجد السادل جماعة يقبضون قبض حتى لا يلفت أنظار الناس إليه، ولا توضع له علامة استفهام، ولا ينبغي للمسلمين أن يختلفوا ويتجادلوا في مسألة مثل هذه، ومن العار والفضيحة أن يقتتل المسلمون أو يتقاطعوا أو يتدابروا من أجل سنة أو مندوب؛ فالسنة سنة والمندوب مندوب والفتنة حرام وعواقبها وخيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفتنة نائمة ملعون من أيقظها".
أخلاقه:
لقد اجتمعت الآراء واتفقت على أن أخلاق الشيخ محمدبلكبير رحمه الله كانت مستمدة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما أكده لنا الشيخ أحمد حفاري بقوله: "إن أخلاق الشيخ كانت مستمدة من أخلاق النبي صلى الله عليهوسلم، من حلم وكرم وعلم وعمل ووقار وخشية لله عز وجل وزهد".
بينما يقول الشيخ الحاج المهدي رابح: "كان الشيخ محمد بلكبير متخلقا بخلق القرءان والسنة".
ونلتمس ذلك من خلال تلك الآثار التي كانت تشاهد عليه من ورع وتواضع وزهد.
وتلك آثارنا تدل علينا ... فاستدلوا علينا بالآثار
في أحد الأيام كان الشيخ محمد بلكبير رحمه الله جالسا كعادته مع الضيوف والزائرين فدخل عليه زائر بيده 10 ألف دينار جزائري، فأهداها له بيده اليمنى، ولما أخذها الشيخ أهداها بدوره إلى شخص كان بجانبه من المتوسلين بدون أن يعلم كم هو المبلغ الذي كان قد قدمه له الزائر، وهناك تتجسد أخلاقه المستمدة من القرءان الكريم والسنة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه".
ومن هذا وذاك كان رحمه الله عالما زاهدا صاحب عزيمة وشكيمة، شهما هماما، محترما، منصرفا عن ما لا يعنيه إلى ما يعنيه، صاحب سماحة، وأخلاق عالية، ورحب الصدر، لا يؤخذ بالذنب ولا يعاتب لا باللسان ولا بالقلب، مفرجا على من سأله الكرب، ضحوكا بشوشا غنيا بإيمانه قويا بحلمه سيدا مهابا، ناطقا بالحكمة والصواب، يحترمه الكل، هكذا عاش وعلى هذا مات.
وخيرمثال على جوده وكرمه ما قاله الشيخ أحمد بن عبد القادر الطلحاوي:
كرم الشيخ ليس له نظير ... في عصرنا فاسأل الخبير
فكل من أتى إليه يطلب ... شيئا من الدنيا تراه يعجب
لأنه يعطيهم بلا حساب ... ولا يرد سائلا على عقاب
فيده اليمنى تعطي بلا حساب ... ودنيانا عن قلبه لها حجاب
¥