- رسالة بعنوان " الدين النصيحة "
كما كان الشيخ ينسخ المصاحف و الكتب، و قد قال بنفسه بأنه ينسخ مصحفا كاملا في اقل من نصف شهر، ثم يبيعه ليشتري بثمنه الكتب التي يفتقدها مطبوعة كانت أم منسوخة اثراءا لمكتبه و دعما لطلبته و غيرهم من المهتمين، وكان لا يكل و لا يمل فقد نسخ المئات من الكتب و المخطوطات و المجلدات
و كان خطه مغربيا أصيلا جميلا سهل القراءة لا اعوجاج في سطروه و لا انحناء و كأنه خط مطبعي.
انتقاله إلى بني اشبانة:
انتقل بعد وفاة أبيه و نشوب خلاف بينه و بين قائد دوار بني ورتيلان الى قرية بني شبانة حيث استقر بها إلى غاية وفاته رحمه الله.
مع العلم انه قبل هذه الفترة جرت عملية تلقيب العائلات الجزائرية (الألقاب العائلية حتى تستطيع السلطات الإستدمارية الفرنسية و التحكم في الهجرة و التنقل) فاختير له لقب " فضلاء " عوض لقب ابهلول الذي بقيت بعض أبناء عمومته يلقبون به.
وفاته:
ذكر إبنه محمد الطاهر فضلاء رحمه الله سنة وفاته و كيفيتها فقال: " اجتمع بطلبته في دروسه التي لم ينقطع عنها يوم الأربعاء 21 جانفي (يناير) 1945 م بقاعة الدرس في معهد زاوية سيدي موسى الوغليسي و كان موضوع درسه الحديث القدسي " أنا عند حسن ظن عبدي بي ... " وقد جلس نحو الساعتين يحلل و يشرح و يعلق، أحس إثرها بصداع حاد اجبره على التوقف و مغادرة القاعة، مرفوقا ببعض طلبته إلى منزله الذي لا يبعد إلا أمتارا قليلة عن المعهد، و بمجرد وصوله إلى البيت استلقى على الفراش فداهمته حمى قوية و أليمة ظل بها أربعة أيام فما تخف تارة الا لتشتد تارة أخرى، و في يوم الأحد 21 صفر 1346 هـ الموافق ل 4 فيفري 1945 م على الساعة السابعة صباحا اسلم الروح إلى بارئها رحمه الله، و دفن في ضريح سيدي موسى الوغليسي.
من صفاته و أخلاقه:
كان عالي الهمة و عاش عزيزا كريما، شجاعا صادقا، دعا الناس إلى نبذ الخرافات لأنها عين الجمود و الاستكانة و كان سلاحه الإيمان بالله و حجته الكتاب و السنة و أقوال العلماء من السلف الصالح.
رفض إلا أن يكون عالم دين حر فتفرغ كليا لنشر الدين الحنيف و العلم الصحيح، كان رغم ظروف عصره الذي استفحلت فيه الشعوذة و انتشر فيه التدجيل اقرب ما يكون من العلماء المجددين بحكم توسع علمه ووعيه فكان – و في غير هذا – من الأعلام الممهدين للحركة الإصلاحية الباديسية و من المرحبين بها.
وقد وجهت له دعوة للانضمام الى الحركة الإصلاحية الناشئة فرد مؤيدا لها معتذرا عن الانضمام لها لأسباب صحية نظرا لتقدم سنه.
و مما جاء في رده:
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله لا رب غيره، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد نور الخلق و خيره [صلى الله عليه و على آله وسلم]
إلى إخواننا في الله، سلام عليكم و رحمة الله و بركاته ما دامت روحات اليوم و غدواته
أما بعد:
فان مكتوبكم اتصل بأيدينا و فيه أنكم رغبتم في موافقتنا لما تحاولونه من انشاء اجتماع علماء الوطن لنهج لنهج الطريق الإسلامي لمن يهتدي عملا بقوله تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" الآية.
وقوله تعالى: " و تعاونوا على البر و التقوى" الآية
هذا و إن ما يقتضيه غرضكم، و أردتم صرف الهمة نحوه من اكبر الطاعات على ظاهر الحال عملا بقوله صلى الله عليه و سلم " لان يهدي الله على يديك رجلا خير ... "
فان ظهر لكم موافقة ما تحاولونه لما تقتضيه شريعة الإسلام، باجتماع الكلمة من الجميع و انتفاع السامعين، فَنِعم السعي سعيكم، أعانكم الله على ذلك، فنحن معكم بالدعاء، لان السعي في إصلاح الدين من اكبر الطاعات كما تقدم في الحديث، لا سيما أهل هذا الوطن في وقتنا هذا، و أما قدومي إليكم فمتعذر علي لكبر سني و عدم طاقتي و السلام من العبد الفقير خديم العلم و اهله السعيد بن الطاهر البهلولي."
عرف عنه تقديره لعلماء التصوف الحقيقيين المخلصين، أما شطحات الصوفية فقد اعتبرها ظاهرة دخيلة على الإسلام و منافية للطبيعة و الفطرة لأنها تبنت فهما خاصا للكون و الحياة و الإنسان لا تتماشى في شطحاتها و غلوها مع تعاليم الإسلام السمحة البسيطة المعتدلة، الذين تجردوا من علائقهم النفسية، و قد سجل عبارة " لله در القائل " فوق هذين البيتين:
و الروض و الصراخ و التصفيق ... عمدا بذكر الله لا يليق
و إنما المطلوب في الاذكار ... الذكر بالخشوع و الوقار.
كما كان يستمتع بترديد هذه الأبيات:
إن لله عبادا فطنا ... طلقوا الدنيا و عافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا ... إنها ليست لحيِ وطنا
جعلوها لَجة و اتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا
المراجع:
- الشيخ السعيد ابهلول الورتيلاني في مجموعة من رسائله و مجالسه و فتاويه.
لمحمد الطاهر فضلاء، نشر دار هومة – 2004.
- تاريخ الجزائر الثقافي، أبو القاسم سعد الله، المؤسسة الوطنية للكتابة، الجزائر،1985.
- مقال بعنوان " جهود أمازيغية في خدمة العربية " لمحمد ارزقي فراد.