أمام هذه الفتنة الكبرى انقسم الأندلسيون الغرناطيون إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول تنصّر و اندمج في المجتمع المسيحي، القسم الثاني رحل عن الأندلس إلى بلاد الإسلام، و القسم الثالث تظاهر بالنصرانية و حافظ على الإسلام و هؤلاء أطلق عليهم الإسبان" المورسكيون" أو "الموروس" التي تعني –حسب محمد عبد الله عنان رحمه الله - (العرب الأصاغر) تقليلا من شأنهم و تمييزا لهم عن غيرهم.
فلله ذر الكاتب المجهول الذي وضع للأندلسيين وصفا دقيقا مؤثرالهذه المرحلة، إذ يقول:
و قد بُدلت أسماؤنا و تحوّلت****بغير رضاً منا و غير إرادة
فأاه على تبديل دين محمد****بدين كلاب الروم شر البرية
لم تثق الكنيسة في تنصّر هؤلاء فقامت بإنشاء محاكم التفتيش بغرناطة لمراقبتهم ومعاقبة من يتشبث بالإسلام أو تظهر عليه بعض مظاهره. و هكذا أحرقت هذه المؤسسة - التي يسميها الأندلسيون "محكمة الشيطان"- حاكمت الأندلسيين و عذبتهم وصادرت أموالهم و لم يكن للموتى حرمة حيث عمدت لإخراج جثت المتهمين ب"الإسلام" من القبور و ألبستها زي المحاكمة و بعد إصدار الحكم على الميت تقوم بإعدامه و حرقه.
و قد كان الأندلسيون يعملون على تأجيل تطبيق بعض القرارات بدفع فديات مالية باهظة للسلطات المسيحية رغم ذلك فقد بلغ الإضهاد ذروته في الفترة ما بين 1502 و 1568م حيث صدر سنة 1567قرار ملكي لا رجعة فيه و لم تنفع في تأجيله الوساطات و الفديات المالية. قضى هذا القانون ب:
"- حظر اللباس المورسكي على الرجال و النساء و إلزام النساء-بالإضافة إلى ذلك- بكشف الوجه.
- في الزفاف و في كل أنواع الإحتفالات تمنع رقصة السمرة و إقامة الليالي بمصاحبة الألات الغنائية المورسكية حتى لو كانت لا تتضمن شيئا مريبا أو مخالفا للديانة المسيحية.
- يجب أن تظل أبواب البيوت مفتوحة و تمنع النساء من التخضيب بالحناءو يحظر استعمال الأسماء و الألقاب الإسلامية.
-حظر استعمال الحمامات.- يحظر على المورسكيين أن يكون لهم عبيد من المقاتلين الغرباء، وعلى الأحرار من هؤلاء المقاتلين مغادرة غرناطة في غضون ستة أشهر.
- يحظر على المورسكيين كذلك أن يكون لهم عبيد من السود.
كما نرى، لم تكن تلك الإجراءات مجرد وسائل قمع ديني أو سياسي، بل كانت تهدف إلى إلغاء وجود المورسكيين كجماعة مختلفة ثقافيا، و كان المطروح هو ما يسميه برادويل "صراع الحضارات".لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحظر فيها على المورسكيين لغتهم و ملابسهم…إلخ، لكن المورسكيين كانوا يتمكنون-من خلال ثرواتهم- من تأجيل اللحظة التي توضع فيها هذه الإجراءات موضع التنفيذ. و في عام 1567، حين لم يكن هناك مجال للتأجيل، أرسل أحد أعيان المورسكيين- و هو فرانثيسكو نونيث مولاي – إلى محكمة غرناطة مذكرة (المذكرة مودعة في مكتبة مدريد الوطنية-المخطوطة رقم 6176). يضع نونيث في اعتباره أهمية القضية فيحاول تصوير هذه الخصائص على أنها مجرد عادات محلية و يسعى إلى أن يٌقبل اللباس المورسكي كما يقبل الزي الخاص بقشتالة أو أراغون، و أن تقبل اللغة العربية كما تُقبل اللغة الغاليثية أو القطالونية.
لم تحقق المذكرة أدنى درجة من النجاح، و سيكون تنفيذ هذه القرارات هو السبب الرئيسي في ثورة البشرات:" (5).
نعم، ففي يوم 23 - 12 - 1568م اندلعت ثورة غرناطة الكبرى التي تزعمها فرناندو ذي بالور أو محمد بن أمية و بعد مقتله خلفه عبد الله بن عبو رحمهما الله.
كادت هذه الثورة تنجح لكن نظرا لقلة العتاد و عدم الإستعداد و تفرق الكلمة و التنازع فشل الأندلسيون و ذهبت ريحهم و انتهت هذه الثورة نهائيا سنة 1571م وذلك بعد قتل بعض الأندلسيين لإبن عبو و أخذ جثته إلى الأسبان.
يقول الدكتور علي الكتاني رحمه الله عن هذه الحادثة الأليمة:" و في 13 - 3 - 1571م نجحت المؤامرة إذ هجم الشنيش و ستة من أتباعه على ابن عبو في الكهف الذي كان مختبئا فيه، فقاوم حتى استشهد. فسلم الخونة جثمانه للإسبان الذين حملوه إلى غرناطة، و أدخلوه المدينة في حفل ضخم، ووضعوه في قفص حديدي بعد أن ألبسوه لباسا كاملا و كأن صاحبه حي، ثم حملوه على فرس، وقطعوا به المدينة تتبعه أفواج من أسرى الأندلسيين. ثم حمل الجثمان إلى النطع. و أجري فيه حكم الإعدام، فقطعوا الرأس و سحلوا الجسم في الشوارع فتمزق أطرافا ثم أحرق في أكبر ساحات غرناطة بهمجية
¥