وهو سبب مهم؛ فالصبر حث عليه ديننا. يقول ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، وإمام الصابرين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -.
يقول ابن الأثير (1): ومنها التخلق بالصبر والتأسي، وهما من محاسن الأخلاق؛ فإن العاقل إذا رأى أن مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرَّم ولا ملك معظم ولا أحد من البشر علم أنه يصيبه ما أصابهم وينوبه ما نابهم، ولهذه الحكمة وردت القصص في القرآن المجيد.
ويقول الثعلبي (2): ومنها قصص التهذيب والتأديب لأمته -صلى الله عليه وسلم -، ومنها قصص التأسي بهم فيما أثنى الله عليهم به.
وقد كابد المرسلون المشاق من تكذيب وامتهان وازدراء، وقتل منهم في سبيل الدعوة من قُتل؛ فهم الأسوة والقدوة لنا.
وفي قصة يوسف ـ عليه السلام ـ أكبر دليل على عاقبة الصبر؛ فقد صبر وتمنى السجن ودخله مدة حتى أذن الله بخروجه منصوراً مؤيداً. قال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
والتاريخ مليء بقصص الصابرين؛ فهذا الوزير المهلبي (3) يتمنى الموت من الفقر والإقلال وسوء الحال فيقول:
ألا موت يباع فأشتريهِ فهذا العيش ما لا خير فيهِ
إذا أبصرت قبراً من بعيدٍ وددت لو انني مما يليهِ
ويتمنى أن يأكل لحماً وكان معه صديق له فاشترى لحماً وأطعمه إياه، وتدور الأيام ويتولى المهلبي الوزارة والأمر والنهي حتى إن مائدته مليئة بأصناف الطعام ويأكل كل لقمة بمعلقة من زجاج.
? معرفة نعم الله وتقديرها:
من قرأ التاريخ وهو في دَعَةٍ علم مقدار ما قاساه من قبله من الشدائد وشظف العيش وكَلَب الزمان وانعدام الأمن والأمان، فلا بد أن يعرف مقدار نِعَم الله التي لا تحصى، فيقدرها بالشكر للمنعم الوهاب.
ولذلك كان الصحابة ممن أدرك الشدة والعناء مستحضرين لها دائماً؛ فقد بكى سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ وقد رأى ما يعيش فيه وتذكر مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ لمَّا لم يجدوا له كفناً يواري جميع بدنه (4).
فقد مرَّت على البلاد المعروفة الآن بالسعودية والخليج قرون شداد، المعيشة قاسية، والأمن معدوم. كانوا يهاجرون للعمل في البلدان المجاورة والبعيدة أعمالاً يستنكفون منها الآن، فلما دار الزمان صب الله عليهم من نعمه فأصبحت بلادهم مطلب الكثيرين، ونعموا بسعة العيش ونضارته وبالأمن والاستقرار. فيجب عليهم شكر هذه النعم؛ لأن تاريخهم القريب إذا قرؤوهُ فلا شك أنهم لا يودون التفكير فيه ناهيك عن العيش فيه؛ فبالشكر تدوم النعم: {وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
? التشبه بالصالحين والأعلام:
يقول السخاوي (5) عن فوائد علم التاريخ: «التشبه بذوي المروآت والأجواد والوفاء والفرسان والشجعان».
إن من أسباب هداية الإنسان التأثر بغيره ممن سبقه من أهل الصلاح والتقوى والمروءة في جميع جوانب حياتهم؛ فإذا اطَّلع على سِيَرهم وأحوالهم تاق إلى التشبه بهم ومحاكاتهم فتحول إلى إنسان آخر، وهذا يساعد المربين فيجعلون التاريخ مدرسة تربوية ينهل منها المربون في كل زمان. فكم من مسلم تأثر بسيرهم وحاول أن يسير على خطاهم، وكم تأثر مسلم بضروب الشجاعة والإقدام التي يقرؤها، فترسخ فيه روح الحماس والشجاعة، لذلك حرص الناس بجميع مذاهبهم على السِيَر والتراجم، وصنف المسلمون فيها كتباً لا حصر لها.
(1) الكامل في التاريخ، ج 1، 7/ 8.
(2) المقدمة، 6.
(1) تاريخ الخلفاء، 255.
(2) تاريخ الطبري، أحداث 233 هـ.
(3) الكامل في التاريخ، 1/ 8.
(1) بناء التاريخ هاجس المجتمع العراقي النخبوي، سيار الجميل، الشبكة العنكبوتية.
(2) التعليم في إسرائيل وتربية العنف، الدكتور عبد الله اليحيى، موقع المسلم نت.
(3) الكامل في التاريخ، 1/ 8.
(4) رواه الإمام أحمد في المسند، 1/ 391، والترمذي، وقال حسن صحيح برقم 2378، وصححه الحاكم في المستدرك، 4/ 310.
(5) الطبقات الكبرى، 5/ 220. (6) سير أعلام البنلاء، 5/ 140.
(7) الإعلان بالتوبيخ، 33. (8) الكامل في التاريخ، 1/ 8.
(9) موسوعة التاريخ الإسلامي، 1/ 36.
(1) الكامل في التاريخ، 1/ 8.
(2) الإعلان بالتوبيخ، 36/ 37.
(3) وفيات الأعيان، 3/ 126.
(4) الطبقات الكبرى، ج3. (5) الإعلان بالتوبيخ، 36/ 37.
[ URL="http://www.albayan-magazine.com/"] (http://www.albayan-magazine.com/)
ـ[حاتم علاء]ــــــــ[05 - 10 - 08, 05:55 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك خيرا
ـ[أبو عبد البر المالكي]ــــــــ[05 - 10 - 08, 06:09 م]ـ
أسال الله أن يبارك فيك و في و قتك .. جزاك الله خيرا
ـ[عبدالله حمود سعيد النيادي]ــــــــ[11 - 10 - 08, 07:39 ص]ـ
الله اكبر