مدحه وأثنى عليه وعلى علمه كثير من العلماء والأدباء ووصفوه بالمحدث الحافظ الفقيه، وبأنه أمام في اللغة راوية للشعر وكتب الآداب والتاريخ، ومن أهل المعرفة بالرجال وتمييزهم، ثقة ثبت فيما رواه، ضابطاً لما كتبه، وأنه كان رجلاً جيد الدين، حسن العقل متصاوناً لين العريكة، واسع الخلق مع النبل والبراعة، والتواضع، كان لتلاميذه كالأب الشفيق؛ والأخ الشقيق، مجتهداً في تبصيرهم، متلطفاً في ذلك، يقصر اللسان عن وصف أحواله الصالحة.
وأذكر هنا بعض ما وقفت عليه من ثناء المحدثين والحفاظ ممن صنفوا في التراجم وعلم الرجال:
- ترجم له الإمام الحافظ، شيخ المحدثين الحميدي فقال: " أبو مروان الطبني من أهل بيت جلالة ورياسة، من أهل الحديث والأدب، إمام في اللغة شاعر، وله رواية وسماع بالأندلس، وقد رحل إلى المشرق غير مرة على كبر، وسمع بمصر والحجاز، وحدث بالمشرق عن إبراهيم بن محمد بن زكرياء الزهري النحوي الأندلس، رأيته بالمدينة في آخر حجة حجها " [53]
- عده الإمام العلامة الحافظ القاضي عياض من جلة علماء الحديث الشريف عند ترجمته للإمام الفقيه يونس ابن الصفار فقال: " روى عنه جماعة من الجلة ... منهم أبو مروان الطبني". [54]
- قال عنه الحافظ المحدث القاضي أبو علي الصدفي: " كانت له عنايةٌ تامة في تقييد العلم والحديث، وبرع مع ذلك في علم الأدب والشعر". [55]
- وصفه خلف بن عبد الملك، ابن بشكوال بأنه من كبار المحدثين حين ترجم لشيخه المسند الثقة أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم بن محمد الجذامي، فقال: "وروى عن حكم هذا جماعة من كبار المحدثين منهم: أبو مروان الطبني، وأبو علي الغساني ... " [56]
- ترجم له الإمام الذهبي فقال عنه: " أبو مروان الطبني. من بيت علم ودين، أصلهم من طبنة ... وكان ذا عناية تامة بالحديث. وكان أديبا، لغويا، شاعرا ". [57]
بعض اختياراته في علم الحديث الشريف:
من خلال دراستنا لأبي مروان الطبني لاحظنا أن اهتمامه الأكبر كان منصبا على دراسة الحديث الشريف من جهة السند، والرجال والمصطلح ونحوه،
وقد رأيت أن أنقل بعضا من اختياراته في هذا العلم الشريف للفائدة وليطلع عليها إخوتي في الدين:
- الإجازة:
أ-كان يرى جواز الراوية والعمل بها، وقصر الصحة عليها.
وأعلاها بالنسبة له هي الإجازة المُجَرَّدة عن المناولة، وهي أن يُجيز الشيخُ مُعَيَّناً لمُعَيَّنٍ: كأجزتك صحيح البخاري. [58]
[58] قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث.
للعلامة جمال الدين القاسمي ص 204.
ب – كان لا يرى صحة إجازة " ما سَيَحْمِلُهُ المجُيزُ ممَّا لم يسمعْهُ قبلَ ذلكَ، ولم يتحمَّلْهُ، لِيَرْوِيَهُ الْمُجَازُ لهُ بعدَ أَنْ يتحمَّلَهُ المجُيزُ".
وهي النوع السادسمن أنواع الإجازة عند ابن الصلاح (الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/ 306) وهي: " إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك".
وقد ذكر القاضي عياض في كتابه " الإلماع " أنه قرأ هذا الإختيار في فهرسة أبي مروان الطبني، قال ما نصه:
" قرأتُ في فهرسةِ أبي مروانَ عبدِ الملكِ بنِ زيادةِ اللهِ الطُّبْنيِّ، قالَ: كنتُ عندَ القاضي بقُرْطُبَةَ أبي الوليدِ يونسَ بنِ مُغيثٍ، فجاءَهُ إنسانٌ فسأَلَهُ الإجازةَ لهُ بجميعِ ما رواهُ إلى تاريخِها، وما يرويهِ بَعْدُ، فلمْ يجبْهُ إلى ذلكَ، فغضبَ السائلُ، فنظرَ إليَّ يونُسُ فقلتُ لهُ: يا هذا يُعطيكَ ما لَمْ يأْخُذْ؟!! هذا محالٌ. فقالَ يُونُسُ: هذا جوابي"
وعلق القاضي عياضٌ بعدها قائلا: وهذا هو الصَّحيحُ فإنَّ هذا يُخْبرُ بما لا خَبَرَ عندهُ منهُ، ويأذنُ لهُ بالحديثِ بما لَمْ يحدَّثْ بهِ بعدُ ويُبيحُ ما لا يَعْلَمُ، هلْ يصحُّ لهُ الإذنُ فيهِ؟! فَمَنْعُهُ الصوابُ)). [59]
بين صحيح البخاري وصحيح مسلم:
¥