قلت: وهذه الرواية مقلوبة، قلب المعنى على أحمد -رحمه الله- وعلى ابن عمر -رضي الله عنهما- خلافاً للصحيح المشهور عنهما- وكان الأولى أن يذكر: قال أبو عبدالله: ويأخذ من الطول، ولا يأخذ من عارضيه، وكان ابن عمر يأخذ من الطول إذا حلق رأسه في حج أو عمرة، ولا بأس بذلك).
وعبيدالله بن إسحاق ليس بمشهور في الرواية، ولم أجد له ترجمة تثبت ضبطه وشهرته بالعلم كحال إسحاق بن هانئ وحرب وغيرهما، وإن كان هو يروي عن أبيه.
قلت: وما تقدم هو المعتمد في المذهب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما إعفاء اللحية فإنه يترك، ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره، نص عليه، كما تقدم عن ابن عمر، وكذلك أخذ ما تطاير منها. (شرح العمدة 1/ 182، 236).
وقال شيخ الإسلام -أيضاً-: ويحرم حلق اللحية. (الفروع 2/ 129).
وقال أيضاً: فأما حلقها فمثل حلق المرأة رأسها فأشد، لأنه من المثلة المنهي عنها. (شرح العمدة 1/ 236).
المبحث السادس: الإجماعات في تحريم حلق اللحية:
كما تقدم فإن مذهب الأئمة الأربعة في حكم اللحية هو الاتباع لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره. من الأمر بإعفاءها وأنه يحرم حلقها لذلك، ولم يستثنوا من ذلك إلا الأخذ من طولها لفعل ابن عمر -رضي الله عنهما- وهو راوي الحديث حيث كان يفعل ذلك في الحج أو العمرة.
فجميع الأئمة الأربعة نصوا على الاقتداء في ذلك بفعل ابن عمر -رضي الله عنهما- بحيث لا يفهم منه جواز الأخذ المطلق الغير مقيد بالحج أو العمرة وبما زاد على القبضة.
وعلى هذا نقل عنهم الإجماع على ما تقدم. وكذا عن غيرهم.
1 - قال ابن حزم: وأما فرض قص الشارب وإعفاء اللحية: ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-. (المحلى 2/ 220).
2 - وقال في مراتب الإجماع: اتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلة لا تجوز. (مراتب الإجماع 182).
3 - وقال أبو الحسن ابن القطان -المالكي: واتفقوا أن حلق اللحية مُثْلَة لا تجوز. (الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 3953).
4 - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي: فأما حلقها فمثل حلق المرأة رأسها فأشدّ، لأنه من المثلة المنهي عنها. (شرح العمدة 1/ 236).
5 - وقال ابن عابدين الحنفي: الأخذ من اللحية دون القبضة، كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يحبه أحد. (تنقيح الفتاوى الحامدية 1/ 329).
6 - قال الشيخ علي محفوظ: وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها. (الإبداع في مضار الابتداع 409).
وألف غير واحد من أهل العلم رسائل في حرمة حلق اللحية، ومنهم شيخنا سماحة المفتي/عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى- رسالة في (حكم إعفاء اللحية) أبان فيها السنة بالأحاديث الصحيحة وأقوال أهل العلم، وردّ شبه بعض المنتسبين للعلم الشرعي.
القسم الثاني: الخلل في مقدمة الجديع لكتابه اللحية:
وقد ابتدأ الجديع -عفا الله عنا وعنه- كتابه بمقدمة ذكر فيها مقدمات أساسية سار عليها في كتابه.
وهذه المقدمات الأساسية التي قدَّم بها فيها نظر من وجهين:
الوجه الأول: الخلل من جهة التأصيل العلمي:
ذكر الشيخ الجديع أصولاً علمية سار عليها في كتابه، إلا أن أصالتها العلمية عند أهل العلم خلاف ما ذكره، ومن ذلك:
1 - أصول الأدلة الشرعية:
قوله: في تحريره لمسألة هذا الكتاب (ص9): (منطلقاً من مسلَّمات الأصول).
وقوله (ص11): (ثالثاً: إبراز الاعتماد على الأدلة الشرعية من الكتاب العزيز والسنن النبوية، لتكون دائماً عند من يؤمن بالله واليوم الآخر مرجعية الأحكام، وإليها تستند آراء المجتهدين والحكام، إذ هي الحكم الفصل فيما تنازع فيه الناس).
قلت: هكذا أصَّل الجديع أن الأدلة الشرعية هي الكتاب والسنة فقط وهما مرجعية الأحكام، وإليها تستند آراء المجتهدين والحكام فقط.
وما أصَّله الجديع هو خلاف ما عليه أهل العلم من أهل السنة والجماعة قاطبة -خلافاً لبعض الفرق التي لا تُذكر في الاحتجاج () - وهو أن أصول الأدلة الشرعية ثلاثة:
الأول: الكتاب، والثاني: السُّنة، والثالث: الإجماع ().
ولكن لكون الجديع لا يرى حجية الإجماع ومنه حجية إجماع الصحابة فإنه لم يجعله من الأدلة الشرعية عنده. وسترى أقواله في هذا الأمر -كما سيأتي- ()
2 - الاجتهاد:
¥