خامساً: ونظراً لما تقدم فقد اختلف -أيضاً- في اسمه، فذكر مرة «عمرو»، ومرة «عمر».
فحُكمك عليه بأنه ثقة لا يستقيم مع ما تقدم.
كما لا يستقيم مع ما تقدم أن تصحح الإسناد بذلك.
ب- تحسينك لحديث أبي أمامة -رضي الله عنه-:
حسَّنتَ حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، ولفظه: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: «يا معشر الأنصار، حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب، فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسرولوا وائتزروا، وخالفوا أهل الكتاب»، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فتخففوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب»، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم، ويوفرون سبالهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم».
فقلت: إسناده حسن.
أخرجه أحمد قال: حدثنا زيد بن يحيى حدثنا عبدالله بن العلاء بن زبر حدثني القاسم قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره.
قلتَ: وهذا إسناد حسن، زيد وابن زبر ثقتان، والقاسم هو ابن عبدالرحمن صاحب أبي أمامة مشهور بحسن حديثه.
ثم ذكرت إخراج البيهقي له في الشعب وكذا الطبراني في الكبير كلاهما من طريق زيد بن يحيى به.
قلتُ: وهذا الحديث يلاحظ فيه قولك: إسناده حسن، ثم ذكرت عن القاسم أنه «مشهور بحسن حديثه».
وهذه الكلمة نفسها انتقدتها على الحافظ ابن حجر حينما قالها في مصعب بن شيبة (ص: 85 - 86).
فأنت لما رأيت اختلاف الأئمة في القاسم توسطت في القول فيه وجعلته حسن الحديث -وسطاً بين الثقة والضعيف- فصنعت الصنيع نفسه الذي رعْبتَه على الحافظ ابن حجر!!!
ثانياً: هذا المتن بهذا اللفظ منكر لم يتابع عليه. فلا يستقيم الحكم عليه بالحسن. خصوصاً مع تفرد القاسم به عن أبي أمامة، وتفرد ابن زبر عن القاسم وتفرد زيد بن يحيى عن ابن زبر، فهنا لا يقبل تفرده. وقد بينت هذه القاعدة في نفس كتابك هذا (ص: 191).
ثالثاً: ولهذا فإن هذا الحديث -كما تقدم- لم يخرجه أحد من الأئمة الستة حتى ابن ماجه ترك إخراجه، وكذا لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحة أو الحسن في كتابه كابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود وغيرهم. وكذا لم يستدركه الحاكم على الشيخين، فكيف تجعل هذا الحديث حاكماً على الأحاديث التي في الصحيحين وغيرها!!!.
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[18 - 04 - 06, 11:02 ص]ـ
ثالثاً: نصيحتي إليك:
أختم هذه الرسالة بنصيحة وهي كالتالي:
أولاً: إنك معروف بالعلم والشهرة بذلك فأنصحك بعدم مخالفة سبيل المؤمنين وعليك السير على مناهجهم في الاعتماد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم اعتماد إجماع الأمة من الصحابة وغيرهم. كما هو المنهج الذي رضيه علماء الأمة من أهل السنة والجماعة.
ثانياً: لإقامتك في ديار الغرب -أهل الكتاب- والبعد عن ديار المسلمين أثر ظاهر في منهجيتك في هذا الكتاب. ولعلمي بالسبب الذي خرجت من أجله لديار الغرب في السابق فإن هذا السبب قد زال منذ سنوات بعد أن حصلت على ما يسهل لك الرجوع لبلاد المسلمين وهو مرغوب فيه.
والأمر الآخر وهو أن بقاء المؤمن مع إخوانه وعموم الناس من المسلمين يجعل الأثر في الدين متمكناً فيه.
ثالثاً: وجوب ابتعادك عن شيوخ المدرسة العقلية الذين حذّرنا علماءنا -أهل السنة والحديث- في عموم بلاد الإسلام من هؤلاء وما جنوا به على هذا الدين وأهله. فأنت تعلم أن المدرسة العقلية المعاصرة ما هي إلا امتداد للمذهب المعتزلي القديم.
وممن نبّه على ذلك، وبين خطر أصحاب المدرسة العقلية المعاصرة، وحذر منها ومن شبهها وخطرها على الدين الإسلامي عدد من علماء أهل السنة والحديث في الأقطار الإسلامية ومنهم:
- العلامة المعلمي اليماني في «الأنوار الكاشفة» وغيره من مؤلفاته.
- الدكتور محمد أبو شهبة في «دفاع عن السنة وردِّ شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين» وغيره من كتبه.
- الدكتور مصطفى السباعي في «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» وغيره من كتبه.
- الدكتور الأمين الصادق في «موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية».
- الدكتور ناصر العقل في «الاتجهات العقلانية الحديثة». وهذا الكتاب هو أكثرها شمولاً للتعريف بهذه المدرسة.
وأزيدك القول:
إن من أصول المنهج العقلاني ومرتكزاته تجاه دراسة الإسلام في العصر الحديث الآتي:
- تقديم العقل والأهواء على نصوص الشرع.
- الإنكار والتشكيك، والتحريف والتأويل، في أصول العقيدة وأدلتها.
- الإنحراف في الاستدلال، والتلقي من غير المصادر الإسلامية.
- الإشادة بالحياة الغربية والحكم على الإسلام من خلالها.
- عدم التمييز أو المفاضلة بين المسلمين وغير المسلمين (ضعف الولاء).
- تبني الطرح العلماني أو بعضه.
- الاهتمام بعمارة الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة.
وأما من أهم أهداف الاتجاهات العقلانية الحديثة:
- فصل الدين عن الدولة والحياة.
- إخضاع الإسلام لمسايرة الغرب.
- العمل على إلغاء الفوارق العقائدية (التقريب بين الأديان).
- قطع خط الرجعة على استئناف الحياة الإسلامية.
- إفساد المرأة المسلمة.
قلت: ولا أقول إنك من هذه المدرسة، ولكنك كتابك هذا ناقلٌ لك إليها إن لم تدرك الأمر وخطورته.
وأكرر القول لك:
إن مما يزيد الملاحظة في ارتباطك بالمدرسة العقلية المعاصرة ثلاثة أمور:
الأول: منهجك في كتابك -مما سبق تبيينه في هذه الرسالة- وهذا من صميم منهجهم.
الثاني: نقلك عن أحد كبارهم في هذا العصر رأيه في هذا الكتاب -كما في صفحة (217)، وتركك النقل عن أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر.
الثالث: وظيفتك الشرعية الآن نائباً لأحد كبارهم في هذا العصر.
لذا فنصيحتي إليك الارتباط بعلماء أهل السنة والإفادة والاستفادة منهم.
رابعاً: لعلك قد نالك نصيبٌ من الثناء والشهرة، فينبغي لك الاحتياط في ذلك، وقد كان السلف يحتقرون أنفسهم عند ذواتهم، وعند غيرهم. وما ذكرتُه هو الذي يظهر في كتابك (وأنا في انتظار جوابك وإفادتك) هذا وأسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو محمد عبدالوهاب بن عبدالعزيز الزيد
27/ 8/1425
¥