تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كانت العلة من اشتراط أن لا يلي الكافر العمل إذا شاركه المسلم هي في كونه قد يتعامل بالحرام، فإن العلة موجودة هنا، وهي أنه من المحتمل أنّ من يلي العمل من الشريكين قد يتعامل بما هو عند شريكه محرم.

ورغم ذلك لم أجد من أهل العلم من اشترط اتحاد المذهب، مما يدل على أنها على الأصل وهو الجواز، بل إن هناك من نصّ على الجواز في أوسع نوع من أنواع الشركات وهي المفاوضة، كما جاء عند الحنفية: "وتصح المفاوضة (1) بين حنفيٍّ وشافعيٍّ، وإن تفاوتا تصرفاً في متروك التسمية؛ لتساويهما ملّةً" (2).

فالمذاهب الأربعة بالاتفاق تصحح الشركة بين مختلفي المذاهب، رغم أنه من المعلوم اختلاف المذاهب في كثير من مسائل المعاملات، وأن الشريك لا بد أن يقع منه من العقود والمعاملات ما يرى جوازه بينما شريكه يرى التحريم.

ولو لم نقل بهذا للزم أن يشترط في المضاربة مثلاً أن لا يدفع رب المال ماله لأحدٍ ليتاجر به إلا إذا حدد له أنواع العقود بدقة أو كان متفقاً معه في جميع مسائل الخلاف بلا استثناء حتى ولو كان العامل مسلماً لا يجري من العقود إلا ما اعتقد جوازه.

خامساً: من الواضح اتفاق الفقهاء من المذاهب الأربعة على التفريق بين أمرين:

الأول: دخول الشركة في الحرام المحض، ولذلك يشترطون لجواز مشاركة الكافر أن لا يلي التصرف؛ لكونه قد يعقد على الحرام المحض.

الثاني: دخول الشركة في المعاملات المختلف فيها إذا كان من يلي عقدها هو من يرى الجواز بناءً على مذهبه أو اجتهاده أو نحو ذلك، ولذلك لا يشترط أحد منهم أن يتفق الشركاء في المذهب.

ولذلك من المهم التفريق بين الأمرين في مسألتنا، وأقصد التفريق بين الدخول في الشركة التي تتعامل بالحرام المحض، وبين الشركة التي تستثمر في مجالات هي محل خلاف بين أهل العلم.

سادساً: من المهم أن يقال لمن اعتبر الشركات النقية شركات مختلطة إذا ما استثمرت بالأسهم المختلطة: ما ضابط الشركات المختلطة؟

فإن قيل: هي التي تتعامل بالحرام المحض المقطوع بحرمته أو ما كان القول بجوازه قولاً شاذاً.

قيل: فالأسهم المختلطة ليست من المقطوع بحرمته، وليس القول بالجواز من الأقوال الشاذة التي لا اعتبار لها – رغم أننا نقول برجحان التحريم -.

وإن قيل: بل هي التي تتعامل بالمعاملات المختلف فيها والمعاملات المحرمة.

قيل: كل الشركات – سواء المساهمة أو غيرها – تتعامل بالمختلف فيه، بل أنتم ذكرتم شركة مكة مثلاً من النقية رغم الخلاف المشهور في حكم تأجير دور مكة، ورغم كونها تؤجر بعض المحرمات.

وذكرتم نادك من النقية رغم وجود عقد تأمين صحي عندها وهو محل خلاف.

والتورق مختلف فيه فهل نقول بأن كل الشركات التي لديها تورق مختلطة؟

وكذلك المرابحة للآمر بالشراء، والتأجير المنتهي بالتمليك وغيرها.

سابعاً: لعلي أمثِّل لما أشرت إليه من أنه لا بد أن يكون المحل جائزاً أو مطلقاً، وأن يكون المختلف فيه تابعاً، أما إن كان محل الشركة هو المختلف فيه فإن من يرى التحريم يحرم عليه الدخول فيا لشركة.

ومثال ذلك: بيعُ كلاب الصيد محرمٌ عند الحنابلة والشافعية، وجائزٌ عند الأحناف (3).

فلو تشارك حنبليٌ وحنفيٌ شركةً مطلقة، فلا إشكال في الجواز.

وإن تشاركا شركةً محددة في بيع البهائم مثلاً، فإن محل العقد هنا مباحٌ في الجملة عندهما، مع احتمال أن يبيع الحنفي في الصورتين كلاب الصيد أحياناً، فالشركة هنا جائزة أيضاً.

ولو تشاركا على أن يتاجرا ببيع كلاب الصيد بالتحديد، أو بأنها الأغلب على تجارتهما، فهذه هي الصورة الثالثة، والتي يظهر للباحث تحريمها؛ لأن محل العقد محرمٌ عند الحنبلي فلا يجوز له الإقدام عليه.

ومثله ما يتعلق بالأسهم المختلطة، فإن الشركة إذا كان محلها المتاجرة في الأسهم المختلطة فإنه يحرم على من يرى تحريم الأسهم المختلطة الدخول في الشركة، أما إن كانت الشركة في الصناعة أو الزراعة أو غيرها ثم استثمرت في الأسهم المختلطة لكونها ترى الجواز ودخلت بتأويل سائغ، فإن الأصل هو الجواز، إلا إن رأى أن القول بجواز المختلطة قولٌ شاذٌ وأن التحريم مقطوعٌ به.

ثامناً: يتلخص مما سبق أن الشركات النقية إذا استثمرت بالأسهم المختلطة لا تخرج من كونها نقية، وذلك وفق الضوابط التالية:

• ألا يكون الاستثمار بالمختلط هو محل الشركة أو النشاط الغالب فيها.

• أن يكون الاستثمار في الأسهم المختلطة مبنياً على تأويل سائغ، واتباعاً لفتوى من يعتد بقوله من أهل العلم.

أسأل الله أن يجنبنا والمسلمين ما يغضبه ويسخطه من الأقوال والأفعال ..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ..


*محاضر في المعهد العالي للقضاء
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

(1) كونهم ينصون على صحة المفاوضات بينهما أبلغ؛ لأن التصرف في المفاوضة عند الأحناف أوسع من العنان، ولذلك يشترطون فيها اتحاد الدين، فلا يصح مشاركة الكافر شركة مفاوضة مطلقاً، وذلك أن التصرف الشركة في المفاوضة مطلق، ويعمل الشريك فيها بالتفويض المطلق في كل أنواع التجارة وبدون علم صاحبه ويتساويان في التصرف وفي العمل وفي المال وفي الربح من كل وجه.
(2) حاشية ابن عابدين (6/ 471)، والنص هو من شرح تنوير الأبصار الذي عليه الحاشية، وانظر: شرح فتح القدير (6/ 150).
(3) الشرح الكبير مع الإنصاف (11/ 43)، أما المالكية فعندهم روايتان وفيهما تفصيل.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير