وكذلك إذا أعطاه أجود فإنه لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد خياراً رباعيّا بدلاً عن بكر وقال: ((خيركم أحسنكم قضاء)).
وكذلك إذا أعطاه هدية بعد الوفاء، بأن أهدى إليه هدية قليلة أو كثيرة، لكن بعد الوفاء فإن ذلك جائز؛ لأنه في هذه الحال لم يكن معاوضة، أي: القرض، بل كان باقياً على الإرفاق ولكن المقترض أراد أن يكافئ هذا المقرض بما أعطاه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)).
وعُلم من قول المؤلف: " أو أعطاه أجود " أنه لو أعطاه أكثر بلا شرط فإنه على المذهب لا يجوز والفرق أن الأجود في الصفة، والأكثر في الكمية فلا يجوز.
والصحيح أنه جائز بشرط ألا يكون مشروطاً، بأن يقترض منه عشرة ثم عند الوفاء يعطيه أحد عشر فإنه لا بأس؛ لأنه إذا جازت الزيادة في الصفة جازت في العدد؛ إذ لا فرق، بل قد تكون الصفة أحياناً أكثر من العدد، كما لو كان جيداً جدّاً فإنه قد يكون أكثرَ من العدد فائدةً للمقرض.
لكن قد يقول قائل: إذا جوزنا هذا لزم أن نجوِّز الفوائد البنكية، لأنك تعطي البنك مائة ألف ويعطيك بعد سنة مائة وعشرة.
فالجواب على هذا أن البنك زيادته تعتبر مشروطة شرطاً عرفياً، والشرط العرفي كالشرط اللفظي؛ لأن هذا معلوم من تعاملهم، لكن من أخذ من حروف أقوال أهل العلم قال: إنه يجوز أخذ الفوائد البنكية؛ لأن الإنسان حينما أعطاهم الدراهم لم يشترط عليهم أن يوفوه أكثر، مع أن المذهب يرون أنه لا يجوز قبول الأكثر، بل يجوز الأجود دون الأكثر، لكن على القول بالجواز لا ترد علينا مسألة البنوك؛ لأنها مشروطة شرطاً عرفياً، فموظف البنك إذا قال: ماذا تريد؟ قال: أريد حساباً بنكياً، وهذا معناه أن يريد الفوائد.
118 - ص (115)
قوله: " وإن أقرضه " أي: أقرض شخصاً.
قوله: " أثماناً " وهي: الدراهم والدنانير.
قوله: " فطالبه بها ببلد آخر لزمته " أي: لزمت المقترض.
مثاله: أقرضه دنانير في مكة وطالبه بها في المدينة، فيلزمه الوفاء، إذا كان معه الدنانير، لأنه لا ضرر عليه، القيمة واحدة في مكة أو في المدينة؛ لأن النقد كله نقد واحد، ولا يختلف بين بلد وآخر فله الحق أن يلزمه، بخلاف ما سبق في باب السلم فيكون الوفاء في موضع العقد، والفرق بينهما أن السلم من باب المعاوضات، وهذا من باب الإحسان ولا ضرر عليه أن يعطيه الدنانير في البلد الآخر.
أما إذا كان في بلد يختلف عن البلد الذي أقرضه فيه، فهنا قد يلحقه ضرر، فقد تكون قيمته أغلى، وحينئذٍ نقول: لا يلزمه الموافقة، إن وافق فذلك المطلوب وإن لم يوافق فلا يلزمه.
119 - ص (123)
قوله: " يصح في كل عين يجوز بيعها " بيَّن المؤلف ما الذي يصح رهنه، وربما نأخذ من ذلك - أيضاً - حكم الرهن ...
إذا؛ً القاعدة: ((كل عين يجوز بيعها يجوز رهنها وما لا فلا)) ...
وإذا قال: رهنتك ما في بطن هذه الشاة فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز بيعها، والصحيح أنه يصح رهنها؛ لأن الرهن ليس عقد معاوضة حتى نقول: لا بد من تحريره وعلمه، فهذا الحمل الذي في البطن لا يخلو من أربع حالات: إما أنه أكثر من قيمة الدين أو يكون أقل أو يكون مساوياً أو يموت، فإذا مات أو خرج معيباً بحيث لا يساوي قيمة الدين فلم يَضِع الحق، وغاية ما هنالك أن الوثيقة التي كان يؤمل عليها نقصت أو عدمت ولكن حقه باق، فإذا خرج الحمل أكثر من الحق فقد زاد على الحق، ويجوز أن أرهن عيناً أكثر من الدين، فما دامت المسألة توثقة فقط والحق باق لن يضيع، فالصحيح أنه جائز، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الغرر وفرق بين البيع الذي يقصد فيه التحري في مقابلة العوض بالعوض، وبين شيء لا يقصد منه إلا التوثقة، إن حصلت فهي كمال وإن لم تحصل فالحق باق.
120 - ص (147، 197، 391)
والفرق بين التعدي والتفريط:
أن التعدي: فعل ما لا يجوز.
والتفريط: ترك ما يجب.
مثاله: لو أن شخصاً ارتهن ناقة من آخر، ثم لم يحطها بعناية فقضى عليها البرد، فإننا نقول: هذا تفريط؛ لأن الواجب عليه أن يجعلها في مكان دافئ؛ لئلا تموت.
مثال آخر: رجل رهن بعيراً، ثم إن المرتهن صار يحمل عليه ويكده فإننا نسمي ذلك تعدياً.
يتبع=
الفروق في المجلد التاسع:
¥