تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ص 193: و " الْجِهَادُ " هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ فِي حُصُولِ مَحْبُوبِ الْحَقِّ وَدَفْعُ مَا يَكْرَهُهُ الْحَقُّ فَإِذَا تَرَكَ الْعَبْدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحْبُوبَاتِ لَا تُنَالُ غَالِبًا إلَّا بِاحْتِمَالِ الْمَكْرُوهَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحَبَّةً صَالِحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَالْمُحِبُّونَ لِلْمَالِ وَالرِّئَاسَةِ وَالصُّوَرِ لَا يَنَالُونَ مَطَالِبَهُمْ إلَّا بِضَرَرِ يَلْحَقُهُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَالْمُحِبُّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ مَا يَرَى ذُو الرَّأْيِ مِنْ الْمُحِبِّينَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يَحْتَمِلُونَ فِي حُصُولِ مَحْبُوبِهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ مَحَبَّتِهِمْ لِلَّهِ إذَا كَانَ مَا يَسْلُكُهُ أُولَئِكَ هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يُشِيرُ بِهِ الْعَقْلُ.

ص218: الْفَنَاءَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ لِلْكَامِلِينَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ؛ وَنَوْعٌ لِلْقَاصِدِينَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ وَنَوْعٌ لِلْمُنَافِقِينَ الْمُلْحِدِينَ الْمُشَبِّهِينَ.

(فَأَمَّا الْأَوَّلُ) فَهُوَ " الْفَنَاءُ عَنْ إرَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ " بِحَيْثُ لَا يُحِبُّ إلَّا اللَّهَ. وَلَا يَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا يَطْلُبُ غَيْرَهُ ....

(وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي) فَهُوَ " الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ السِّوَى ". وَهَذَا يَحْصُلُ لِكَثِيرِ مِنْ السَّالِكِينَ؛ فَإِنَّهُمْ لِفَرْطِ انْجِذَابِ قُلُوبِهِمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَضَعْفِ قُلُوبِهِمْ عَنْ أَنْ تَشْهَدَ غَيْرَ مَا تَعْبُدُ وَتَرَى غَيْرَ مَا تَقْصِدُ؛ لَا يَخْطُرُ بِقُلُوبِهِمْ غَيْرُ اللَّهِ؛ بَلْ وَلَا يَشْعُرُونَ ... وَهَذَا كَثِيرٌ يَعْرِضُ لِمَنْ فَقَمَهُ أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ إمَّا حُبٌّ وَإِمَّا خَوْفٌ. وَإِمَّا رَجَاءٌ يُبْقِي قَلْبَهُ مُنْصَرِفًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا عَمَّا قَدْ أَحَبَّهُ أَوْ خَافَهُ أَوْ طَلَبَهُ؛ بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي ذَلِكَ لَا يَشْعُرُ بِغَيْرِهِ .... وَهَذَا الْفَنَاءُ كُلُّهُ فِيهِ نَقْصٌ. وَأَكَابِرُ الْأَوْلِيَاءِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: لَمْ يَقَعُوا فِي هَذَا الْفَنَاءِ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ مِمَّا فِيهِ غَيْبَةُ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ لِمَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ أَحْوَالِ الْإِيمَان؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا أَكْمَلَ وَأَقْوَى وَأَثْبَتَ فِي الْأَحْوَالِ الْإِيمَانِيَّةِ مِنْ أَنْ تَغِيبَ عُقُولُهُمْ. أَوْ يَحْصُلَ لَهُمْ غَشْيٌ أَوْ صَعْقٌ أَوْ سُكْرٌ أَوْ فَنَاءٌ أَوْ وَلَهٌ أَوْ جُنُونٌ. وَإِنَّمَا كَانَ مَبَادِئُ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي التَّابِعِينَ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ ... [و] الكمل تَكُونُ قُلُوبُهُمْ لَيْسَ فِيهَا سِوَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَعِنْدَهُمْ مِنْ سَعَةِ الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزِ مَا يَشْهَدُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بَلْ يَشْهَدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ مُدَبَّرَةً بِمَشِيئَتِهِ بَلْ مُسْتَجِيبَةً لَهُ قَانِتَةً لَهُ فَيَكُونُ لَهُمْ فِيهَا تَبْصِرَةٌ وَذِكْرَى وَيَكُونُ مَا يَشْهَدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مُؤَيَّدًا وَمُمَدًّا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إخْلَاصِ الدِّينِ وَتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ لَهُ وَالْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَهَذِهِ " الْحَقِيقَةُ " الَّتِي دَعَا إلَيْهَا الْقُرْآنُ وَقَامَ بِهَا أَهْلُ تَحْقِيقِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير