وإلى وجوبه ذهب العلامة أبو بكر بن العربي كما في الفتح (10/ 339) ونقله ابن دقيق العيد عن بعض العلماء كما في الفتح أيضا (10/ 340).
وبه قال العلامة ابن القيم فقد قال في تحفة المولود (177):
" وأما قص الشارب فالدليل يقتضي وجوبه إذا طال، وهذا الذي يتعين القول به لأمر رسول الله ? به، ولقوله: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " ا. هـ
بل قوله " يتعين " فيه إلزام للقول به، وأنه لا ينبغي القول بخلافه، وهذا صواب إذ كل من ترك القول بالوجوب فهو قد ترك حديث النبي ?: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " ولا يجوز ترك حديث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يمكن بحال حمل هذا الحديث على معنى يوافق القول بالاستحباب مطلقا.
وقال العيني في عمدة القارئ (22/ 42) عند شرحه للترجمة:
" أي هذا باب في بيان سنية قص الشارب بل وجوبه " ا. هـ
وبه بوب الإمام أبو عوانة فقال في كتابه:
" إيجاب جز الشوارب وإحفائه ... "
الوجه الثاني: أن قولهم بالسنية لقص الشارب باعتبار أن هناك صارفاً صرفه من الوجوب إلى الاستحباب وهو ما ذكره ابن حجر:" بأن الأشياء التي مقصودها مطلوب لتحسين الخلق وهي النظافة لا تحتاج إلى ورود أمر إيجاب للشارع فيها اكتفاء بدواعي الأنفس فمجرد الندب إليها كاف" فصار هذا الأمر صارفاً من الوجوب إلى الاستحباب وهذا الأمر لا يتأتى في إعفاء اللحية فليس إعفاؤها من أمور النظافة بخلاف قص الشارب.
الوجه الثالث: ما ذكرناه سابقاً أن قص الشارب طلب فعل أما إعفاء اللحية فطلب ترك وطلب الترك آكد من طلب الفعل لقول النبي ? "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.
*************************
الإشكال الرابع: أن إعفاء اللحية مقرون بالمخالفة للمشركين والمجوس ولم يعد الآن في إعفائها مخالفة فلم تعد مشروعة.
والجواب: أن الحكم المعلل بنص لا ينتفي إذا انتفت علته، لأن ثبوته بالنص لا بالقياس، وقول العلماء: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً إنما هو في الأحكام الثابتة بالقياس لا الثابتة بالنصوص، والحكم إذا ثبت شرعاً من أجل معنى زال، وكان هذا الحكم موافقاً للفطرة أو لشعيرة من شعائر الإسلام فإنه يبقى ولو زال السبب، كالرَّمل في الطواف.
*************************
الإشكال الخامس: أن علة إعفاء اللحى مخالفة المجوس والنصارى كما في الحديث وهي علة ليست بقائمة الآن لأنهم يعفون لحاهم .. !!
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن اليهود والنصارى والمجوس الآن ليسوا يعفون لحاهم كلهم ولا ربعهم بل أكثرهم يحلقون لحاهم كما هو مشاهد وواقع.
الوجه الثاني: أن الحكم إذا ثبت شرعاً من أجل معنى زال وكان هذا الحكم موافقاً للفطرة او لشعيرة من شعائر الإسلام فإنه يبقى ولو زال السبب، ألا ترى إلى الرَّمل في الطواف كان سببه أن يُظهر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الجلد والقوة أمام المشركين الذين قالوا إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب ومع ذلك فقد زالت هذه العلة وبقى الحكم حيث رمل النبي ? في حجة الوداع.
الوجه الثالث: أن الكفار إذا فعلوا ما فعله المسلمون فإنه لا يلزم المسلمون ترك هذا الفعل لأنهم بهذا الفعل يكونون متشبهين بالمسلمين لا العكس ... !!