واختلف العلماء في هذا، فهو إما مكروه، أو محرم، وظاهر النصوص التحريم، كما في حديث عمار: , فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم.
ودليل منعه هذه الأدلة، ثم الأصل بقاء شهر شعبان، واليقين أنه من شهر شعبان، ولا نقول: إن هذا من رمضان إلا بدليل، ولا يقال: نحتاط هنا والاحتياط ليس بواجب، ولا محرم.
الاحتياط على الصحيح ليس بواجب، ولا محرم، لكن قد يكون مطلوبا مشروعا، وقد يكون محرما، فالاحتياط المطلوب المشروع: هو الاحتياط الذي يجمع بين الأقوال، وفيه أخذ بجميع الأدلة، والاحتياط المحرم: الذي يكون موافقة لقول ساقط، بأخذ لحديث لا يصح، أو يلزم من ترك بعض الأدلة.
ففي هذه المسألة الاحتياط بصوم يوم الثلاثين، يوم الشك هل هو مشروع أو محرم
في الحقيقة يلزم من صيام يوم الشك إدخال يوم من غير رمضان، وزيادة يوم ليس مشروعا، واستدراك على الشارع؛ فلهذا كان محرما بالنهي عنه، وإخبار أنه قد عصى أبا القاسم r والصحابي لا يقول مثل هذه العبارة، إلا وأنه قد تحقق أنه قد نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا في حكم المرفوع، هذا في الصوم قبله بيوم، أو يومين.
جاء في حديث أبي هريرة , إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا، حتى تصوموا رمضان - رواه الخمسة، وهو لا بأس به، وإسناده جيد، وفيه دلالة على النهي بعد انتصاف شعبان.
وهذا فيه النهي قبل رمضان بصوم يوم، أو يومين، فقال جمع من أهل العلم: إنه يحرم قبله بيوم أو يومين، وقبله بأكثر من يوم أو يومين، مثل ثلاثة أيام، وخمسة أيام، يكره؛ لأن مفهوم هذا الخبر أن ما سواه لا بأس به، كما جاء في الخبر , إذا انتصف، فلا تصوموا -.
فنجمع بين الدليلين، بحمل قول: , لا تصوموا - على الكراهة، بدلالة الجواز المفهوم من قوله , لا تقدموا -؛ ولهذا نقول لأن الاحتياط أو توهم الاحتياط بعد النصف، قبل وصول رمضان ضعيف، من جهة أنه رمضان، حتى لو بقي عليه نحو نصف الشهر.
ويقرب تلبيس الشيطان، كلما كان قريبا من الشهر، إذا كان قريبا جدا لم يبق إلا يوم أو يومان، فربما زعم أنه يحتاط للشرع، فلا يجوز، أما إذا بعد، فلا يأتي قضية أنه يحتاط لهذا الشهر، ويكون مكروها، جمعا بين الأدلة.
وبالجملة لا يصام بعد النصف من شعبان، هذا هو ظاهر النصوص، وقد يقال: إن هذا أخبر بالنهي عن صوم يومين، ثم أخبر بالنهي عن انتصاف من شعبان، لكن الجمع الأول ماشٍ على القاعدة، في الجمع بين الدليلين عند اختلافهما، أو تعارضهما.
أما إذا صام قبل النصف فلا بأس؛ ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يصوم شعبان، في حديث عائشة: , كان يصوم شعبان كله - في البخاري، وعند مسلم: , يصومه إلا قليلا - وهو لم يصمه كله -عليه الصلاة والسلام-؛ ولهذا قالت عائشة -كما في صحيح مسلم-: , ما استكمل رسول الله r شهرا كاملا قطُ إلا رمضان -.
وهذا يوضح الحديث عن أم سلمة , أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يصل شعبان برمضان - يعني أنه كان يصوم أغلبه، وأكثره، والعرب يطلقون يقولون: قمت الليل كله، أو مثلا صمت الشهر كله، أو ما أشبه ذلك، ويريدون الأغلب والأكثر، وهذه طريقة معروفة عند العرب.
ومنه أيضا ما نقلته عائشة: , أنه صام شعبان كله - هذا لو لم تأتِ روايات تبين أنه لم يصم إلا بعضه -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود أنه لا يجوزالتقدم بصوم يوم ولا يومين، وقبل ذلك يكون مكروها كراهة تنزيه؛ لدلالة الخبر عن أبي هريرة.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[23 - 08 - 06, 11:37 ص]ـ
652 - وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا [قَالَ]: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: {إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا, وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا, فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: {فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. ثَلَاثِينَ}.
وَلِلْبُخَارِيِّ: {فَأَكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ}
653 - وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه {فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ}
وهذه أيضا روايات واضحة للمصنف -رحمه الله- في أنه لا يصام رمضان حتى إلا بأمرين: إما برؤية هلاله، أو بإكمال العدة: , لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن أغمي عليكم، فأكملوا عدة شعبان -.
الرواية الثانية: , فأكملوا العدة ثلاثين - في الرواية الأخرى: , فأكملوا عدة شعبان ثلاثين - وهذه الرواية صريحة في أنه لا يصام حتى نكمل ثلاثين يوما.
فإذا لم نر الهلال قال: , لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه - لا في الصيام، ولا في الفطر، فيجب إكمال العدة.
فإذا كان قد ثبت دخول شهر شعبان، نكمل العدة ثلاثين يوما، إلا أن نرى الهلال ليلة الثلاثين، ففي هذه الحالة يكون ليلة الواحد، ونصوم، كما جاءت الأخبار.
وفي هذا دلالة أيضا على تحريم صوم يوم الشك، هذه الأدلة واضحة: , لا تصوموا حتى تروه - وقال: , فأكملوا عدة شعبان - فإذا كنا نكمل عدة شعبان، فيوم الشك، شك على اسمه، فنحن على يقين من شعبان.
فمن صام يوم الثلاثين، صام يوم الشك، فهو في الحقيقة مخالف للأمر في هذا الخبر , فأكملوا العدة - , فأكملوا عدة شعبان ثلاثين - , لا تصوموا حتى تروه، أو تكملوا العدة -.
فهذه كلها روايات صريحة وواضحة صحيحة في أنه لا بد من إكمال العدة، وهذا -كما سبق- دليل على منع القول بصوم يوم الشك، كما هو قول لبعض أهل العلم، الذين قالوا إما بوجوبه أو باستحبابه، وجنح بعضهم إلى أنه مباح، والأظهر هو منع صوم يوم الشك، حتى يتيقن دخول الشهر، أو إكمال العدة.
¥