ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[29 - 08 - 06, 06:05 م]ـ
671 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {مَنْ ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ} رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ. وَأَعَلَّهُ أَحْمَدُ. وَقَوَّاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ.
وهذا الخبر خبر صحيح، خلافا لمن أعله، أو جعله موقوفا عن أبي هريرة، وفيه ما دل عليه هذا الخبر:
, من ذرعه القيء، فلا قضاء عليه، ومن استقاء، فعليه القضاء -.
ذرعه: غلبه بغير اختياره، فإنه لا قضاء عليه، وهذا جار أيضا على القواعد في هذا الباب، وفي غيره.
فالأصل في أن من غلب على أمر من الأمور،ووقع هذا الشيء بغير فعله، واختياره، أنه لا شيء عليه، فمن ذلك ما إذا غلبه القيء، ومن ذلك مثلا إذا دخل إلى فمه تراب، أو حيوان طائر، أو بعض شيء طار إلى فمه من دون اختياره، فلا شيء عليه وصومه صحيح. ولهذا نجد من يفطر بخروج الدم، مثلا بالحجامة وغيرها، يقول: إذا خرج الدم بغير اختياره، فلا شيء عليه.
وهذا عندهم محل اتفاق، مثل لو أصابه رعاف، فخرج منه دم بغير اختيار، فهذا لا يفطر عند الجميع، ومثل لو جرح مثلا أصبعه جرحا، جرح في يده، أو في شيء من بدنه، فخرج منه دم، فلا شيء عليه.
ومن استقاء، يعني تعمد القيء، فعليه القضاء، وهذا واضح أيضا
فإذا تعمد الاستقاء بأي وسيلة، تعمد سواء كان بإدخال يده في فمه، أو أصبعه في فمه؛ حتى يتقيأ، أو باستنشاقه من الرائحة الكريهة؛ حتى يتقيأ، أو بعصر بطنه وإمالته إلى أمامه؛ حتى يتقيأ، أو ما أشبه ذلك مما يستدعي به القيء. فعليه القضاء فالمقصود أنه إذا استقاء بأي طريق فإن عليه القضاء. ثم إذا كان الاستقاء عن عذر، فلا إثم عليه، وعليه القضاء، وإذا كان الاستقاء من غير عذر، فهو آثم، يعني لا يجوز أن يستقي في حال صومه من غير عذر؛ لأن فيه إبطالا للصوم، إنما إذا غلبه، فهذا لا شيء عليه من جميع الجهات. فالصواب ما دل عليه هذا الخبر عنه -عليه الصلاة والسلام-.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[30 - 08 - 06, 05:34 م]ـ
672 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; {أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ اَلْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ, فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ, فَصَامَ اَلنَّاسُ, ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ, حَتَّى نَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ, ثُمَّ شَرِبَ, فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ. قَالَ: "أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ, أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ"}.
وَفِي لَفْظٍ: {فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ اَلصِّيَامُ, وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ اَلْعَصْرِ، فَشَرِبَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
حديث جابر فيه أنه صلى الله عليه وسلم صام منذ خرج واستمر صائمًا في طريقه حتى بلغ "كراع الغميم "، فصام الناس معه اتباعًا له -عليه الصلاة والسلام- ثم دعا بقدح من الماء فرفعه، حتى يبين للناس أن الفطر في السفر لا بأس به، وأنه سنة من سننه ومنهجه؛ ولهذا دعا بقدح من الماء فرفعه وشرب أمام الناس.
ففيه بيان السنن أو بيان الأمور التي يشرع فعلها أو يجوز فعلها وإظهارها وإشاعتها، وأن دلالة الفعل ربما كانت أقوى من دلالة القول، خاصة في الهيئة والكيفية.
أبلغ من جهة أنهم يرونه، ودلالة الفعل تنطبع في الذهن، ويراها الرائي، فهذه تكون أثبت من جهة نقلها بالكيفية.
أما دلالة القول فهي أقوي من جهة اللزوم والوجوب، من جهة أنه إذا أمر بشيء أو نهى عن شيء كان واجبا، أما الفعل فهذا لا يدل على الوجوب.
وفيه أنه لا بأس من الشرب أو الأكل في مجامع الناس أحيانًا، ولهذا كان يشرب -عليه الصلاة والسلام- فشرب في مجامع الناس، إذا دعت إلى ذلك المصلحة الشرعية فإنه يكون أمرًا مشروعًا ومشمولاً من جهة بيان هذا الأمر؛ ولهذا رفع r الإناء وشرب.
وفي الصحيحين من حديث أم الفضل: , أنه شرب قدحًا من اللبن أمام الناس في حجة الوداع يوم عرفة -
وكذلك حديث ميمونة بنت الحارث: أنه فعل ذلك -عليه الصلاة والسلام.
ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام بعدما أفطر، وكأنه تبين له وظهر له أن الناس قد شق عليهم الصوم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: , أولئك العصاة أولئك العصاة - من جهة أنهم التزموا أمرا فيه مشقة، وخالفوا هديه -عليه الصلاة والسلام.
وهذا يبين أن الصوم إذا شق فإنه يكون منهيا عنه. وفي قوله: , أولئك العصاة - دلالة على أن الصوم في السفر مع وجود المشقة التي قد تضعف، وربما آلت إلى إنهاك البدن أو مرض البدن أنه لا يجوز؛ ولذلك قال: , أولئك العصاة -.
والصوم في السفر له أحوال؛ ولهذا نُقل أنه صام ونُقل أنه أفطر -عليه الصلاة والسلام- فهذا له حال وهذا له حال.
¥