وأما الأضرار التي تحدث عنها المحرمون فغالبها ناتج لا من الاستمناء بل من الممارسة الخاطئة للاستمناء، وحتى الجماع الشرعي فإن ممارسته بأساليب خاطئة يؤدي إلى أضرار صحية، أو بسبب الإفراط في الممارسة وهذا لا ينهض للتحريم لأن أي مباح يُسرف فيه يصبح حراماً، كالإسراف في الأكل مثلاً، وقد قالَ تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
10. وأمّا التخيل والتمني فإنّه من حديث النفس الّذي عفى الله عنه ما لن يفعل أو يتحدث بحرام، وقد قالَ صلى الله عليه وسلّم: (إنّ الله عفى لأمتي ما حدثت به نفسها مالم تفعل أو تتكلم) أو كما قالَ. فكون الرجل أو المرأة يشتهي ويتخيل فهذا يصعب التخلص منه ولو تعمد المسلم التحدث في نفسه بما لا يجوز فإنه لا يأثم مالم يفعل فعلاً محرماً أي ينفذ ما تخيله وتمناه وحدث به نفسه.
وقفة: في هذه النقاط العشرة لخصت لك وجهة نظر الفريقين على أنّ لكل منهما توسع في الطرح تجده في مصنفاتهما.
يبقى أن نبين هنا أموراً تقودنا إلى الرّأي الصواب في المسألة:
أ. القول بأنّ الآية نص على تحريم الاستمناء لا ينهض بدليل أنّا لا نجد في اقوال الصحابة أو التابعين استدلال بها على تحريمها، فلا يكفي الاستدلال بها ليقوم بوجه معارضة الخصوم لتحريم الاستمناء.
ب. كل ما ذكره المحرمون من الأضرار الحسية عل بدن الممارس هو في الحقيقة ناتج عن الممارسة الخطأ للاستمناء لا له لذاته، لأنه في حقيقته إخراج لفضلة زائدة مثله مثل البول والغائط والعرق واحتباس الفضلات مضر بالبدن.
وأما الأضرار النفسية فهي ناتجة عن تضخيم المسألة وتحريم الاستمناء، ولو اقتنع الممارس أنه يمارس عملاً طبيعياً مثله مثل التبول مثلاً لما شعر بشيء من الضيق أو المشاكل النفسية.
ج. يقر الجميع أنّ الاستمناء إذا قارنه ممارسة خاطئة تجعله مضراً بالبدن فإنّه يصبح حراماً أو هو إليه أقرب، ومثال ذلك الإكثار منه فإن الإكثار منه والإدمان عليه يحوله إلى مصدر استنزاف لماء الحياة، وكل يعلم كم يكلف المرء جسده وعافيته حتى يكون لديه رصيد كاف منها، حتى قرأت يوماً لا أذكر أين أن الدفقة الواحدة من المني لا يعوضها ثمانية أكواب من العصائر المختلفة المليئة بالفيتامينان والمعادن، وهذا كلام قديم لا أذكر أين قرأته.
د. صحيح أنّ الشرع لا يؤاخذ المرء مالم يتكلم أو يفعل، لكن إذا تعمد الرجل هذا التخيّل والتلذّذ حتى يثير شهوته ويمارس الاستمناء فإنّنا بذلك نصل إلى قناعة أنّه بهذا وصل إلى حالة من الإدمان الّتي لا يمكن (أقول لا يمكن جازماً) أن تنفك عن الإضرار بالإنسان جسدياً، وإذا كان الإسراف وإدمان الجماع المشروع يضر بالبدن فكيف بالاستمناء الّذي يحتاج إلى مجهود مضاعف من الممارس حتى يصل إلى حالة التفريغ.
وإذا تبين ذلك عرفنا أنّ الإنسان هنا مؤاخذ بتعمده للتخيل والتصور الّذي هو طريق إلى الممارسة المتكررة إلى حدّ الإدمان.
هـ. نصل هنا إلى مربط الفرس كما يُقال، وهي نقطة يغفل عنها من يبيح الاستمناء بإطلاق، ألا وهي أنّ الاستمناء نوعان، نوع هو عادة، أي هو ممارسة إدمانية، وتلحظ من اسمها (عادة سرية).
ونوع هو فعل مجرد عن العادة يفعله الشخص في حالة الحاجة، كأن تثور شهوته بدون تعمد أو يخطر له خاطر الزنا وهو بعيد عن زوجة أو ملك يمين، فيلجأ إلى الاستمناء إما طرداً لمفسدة الوقوع في الزنا، أو أن يكون بعيداً عن الوقوع في الزنا وإنّما تصريفاً لشهوة عارمة تشغل باله وتقضّ مضجعه وتصرفه عن مصالحه أو ربما تسبب له ألماً إن كان من النوع (السوبر) كما يُسمّى، وهذه الحالة هي الّتي تتحدّث عنها الاثار الواردة بأنّ شباب الصحابة كانوا يفعلونه في المغازي، أو فتاوى بعض الفقهاء الّذي تجيزه لمن خشي على نفسه الوقوع في الزنا أو للشبق الّذي يخشى على نفسه الضرر.
أمّا النوع الأوّل الذي كما قلنا هو عادة فأحب أنّ أقول: إنّ الغالب على الاستمناء أنّه من العادات السلوكية الإدمانية الّتي يبعد (ولا أقول يستحيل) أن تكون ممارسة عابرة أو للحاجة، بل هي في أصلها ممارسات إدمانيّة لا تنفك عنها إلا ما شاء الله خصوصاً في هذا العصر الّذي وُجد فيه من وسائل الفحش والرذيلة ما لا يعلم شره إلاّ الله.
وإذا عرفنا مما سبق أنّ أيّ عادة يؤدي إدمانها إلى الضّرر على البدن تعتبر من قبيل الحرام.
وإذا عرفنا أيضاً أنّ الاستمناء عادة إدمانية في الغالب.
وإذا عرفنا أنّ اعتياد تخيل وتصور المناظر الخليعة والتلذذ بها لممارسة الاستمناء طريق لتنامي هذا التمني وفساد ذوق وتصور الممارس مع الزمن.
عرفنا أنّ القول بتحريم اعتيادها هو المتّسق مع القواعد الشرعية.
وليتبين الأمر أضرب مثالين /
أولهما: التدخين، فإنّ كلّ الأضرار التي بنى عليها العلماء قولهم بتحريم الدخان هي أضرار ناتجة عن العادة والممارسة الإدمانية.
وإلاّ فقد يقول مكابر: هب أنّي لا أدخّن إلاّ سيجارة في السنة؟
فحينئذ يُقال: التدخين الذي يتحدث عنه العلماء المحرمون هو العادة والممارسة الإدمانية، التّي هي الاصل في تعاطي الدخان، ولا ينفك المدخن عن الإدمان إلا نادراً والنادر لا حكم له، أو له حكم مقدّر بحالته لا يؤثر على الحكم العام.
المثال الآخر: هو بعض أنواع المخدرات والمنشطات والكلام فيها كالكلام في الدخان.
وعليه يكون القول بالتحريم هو الأقرب للأسباب التي ذكرتها، ويبقى هناك حالات استثنائية يجوز فيها الاستمناء لأنها تخرج في الحقيقة عن اصلها الإدماني، كما في الشخص إذا تعرض لحالة من الإغراء بالزنا فيستمني صرفاً للمفسدة الأعظم بالأدنى، أو الأعزب إذا زاد به الحال في غربته فاضطر للاستمناء إخماداً لشهوته وهذا ما جاءت به الآثار وقيدته بالغزو أو قيدته بغرض الاستعفاف عند اصطلام الشهوة بدون قصد وتعمد كمن نظر إلى امرأة أو وسوس له الشيطان.
والله أعلم بالصواب.
¥