إذا انْضَمَّ للجلوس للعَزَاء ما يُوْجِب تحريمه ـ كبدعة مُحَرَّمة ـ كان حراماً. قال النووي رحمه الله في: "الأذكار" (ص/210): ((وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها مُحْدَث آخر، فإن ضُمّ إليها أمر آخر من البدع المحرمة ـ كما هو الغالب منها في العادة ـ كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات؛ فإنه مُحْدَث، وثبت في الحديث الصحيح: " إن كل مُحْدَث بدعة، وكل بدعة ضلالة ")) أ. هـ.
لَحَقٌ:ـ
الاجتماع عند أهل الميت على طعام يصْنَعونه لِمن أتاهم فيه روايتان عن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ حكاهما في: "الإنصاف" (6/ 264):ـ
? أما الأولى: فكراهة ذلك دون تحريم. قال في: "الإنصاف" (6/ 264): "وهذا المذهب مطلقاً، وعليه أكثر الأصحاب" أ. هـ. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية. فأما الحنفية فقَرَّره ابن الهمام رحمه الله في: "شرح فتح القدير" (2/ 150) بقوله: "ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت؛ لأنه شُرِع في السرور لا في الشرور. وهي بدعة مستقبحة" أ. هـ.
وأما المالكية فقرره الدسوقي رحمه الله في: "حاشية الشرح الكبير" (1/ 664) بقوله: "وأما جمع الناس على طعام بيت الميت: فبدعة مكروهة" أ. هـ. وأما الشافعية فقرره الشمس الرملي رحمه الله في: "نهاية المحتاج في شرح المنهاج" (3/ 43) بقوله: "ويكره كما في: "الأنوار" وغيره، أخذاً من كلام الرافعي والمصنف ـ أنه بدعة لأهله صنع طعام يجمعون الناس عليه قبل الدفن وبعده" أ. هـ.
? وأما الثانية: فكراهة ذلك إلا لحاجة فلا كراهة. ومن الحاجة أن يَنْزل على أهل الميت ضيوف من قرى بعيدة. قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في: "المغني" (3/ 497): "فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس: فمكروه … وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر مَيّتهم من القرى والأماكن البعيدة، ويَبْيتُ عندهم، فلا يُمْكِنهم أن لا يُضَيّفوه" أ. هـ. وقال ابن أبي عمر رحمه الله في: "الشرح الكبير" (6/ 264): " فأما إصلاح أهل البيت طعاماً للناس: فمكروه … وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز؛ فإنه ربما جائهم من يَحْضُر ميتهم من أهل القرى البعيدة. ويبيت عندهم، فلا يمكنهم إلا أن يُطْعِموهُ " أ. هـ.
وظاهر تقرير الموفق وابن أبي عمر رحمهما الله اختيار الرواية الثانية لكن قال في: "الإنصاف" (6/ 264): "قوله: "ولا يُصْلِحون هم طعاماً للناس" يعني: لا يُسْتحب بل يُكره. وهذا المذهب مطلقاً، وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في: "الوجيز" و"المغني" و"الشرح" وغيرهم، وقَدَّمه في: "الفروع" وغيره. وعنه: يكره إلا لحاجة" أ. هـ المراد.
ودليل صحة الكراهة شيئان:
? أولهما: خبر جرير بن عبدالله ـ وسبق ـ. قال النووي رحمه الله في: "المجموع شرح المهذب" (5/ 290): "ويستدل لهذا ـ يعني: كراهة صنع أهل الميت طعاماً ـ بحديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصَنِيْعةَ الطعام بعد دفنه من النياحة" رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه بإسناد صحيح وليس في رواية ابن ماجه: (بعد دفنه) " أ. هـ.
? والثاني: ما ذكره الموفق رحمه الله في: "المغني" (3/ 497) بقوله: "فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس: فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشُغلاً لهم إلى شُغلهم، وتشبهاً بصنيع أهل الجاهلية. ورُوي أن جريراً وَفَد على عمر فقال: هل يُبَاحُ على مَيّتكم؟ قال: لا. قال: فهل يَجْتمعون عند أهل الميت ويَجْعلون الطعام؟ قال: نعم. قال: ذاك النَّوْح" أ. هـ.
فَائِدَةٌ:ـ
هناك قول آخر في المسألة حكاه المرداوي رحمه الله في: "الإنصاف" (6/ 264) بقوله: "وقيل: يحرم" أ. هـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ كما في: "مجموع الفتاوي" (24/ 316) ـ: " وأما صنعة أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه: فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة، بل قد قال جرير ابن عبدالله رضي الله عنه: " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة" أ. هـ. ونصَّ ـ غير من سبق ـ على بدعية ذلك الأئمة، ومنهم: ابن الحاج رحمه الله في: "المدخل" (3/ 275)، والقرطبي رحمه الله في: "التذكرة" (1/ 158)، والطرطوشي رحمه الله في: "الحوادث والبدع" (ص/170).
فَائدَةٌ:ـ
¥