يُسْتَحب أن يُصْلَح لأهل الميت طعام يُبْعَث به إليهم. قال في: "الإنصاف" (6/ 263): "بلا نزاع ـ أي: عند الحنابلة ـ وزاد المجد وغيره: (ويكون ذلك ثلاثة أيام). وقال: (إنما يُستحب إذا قُصِد أهل الميت. فأما لما يَجْتمع عندهم: فيُكْره؛ للمساعدة على المكروه) انتهى " أ. هـ.
وجزم بالاستحباب أيضاً الحنفية ـ كما في:"شرح فتح القدير" (2/ 151) لابن الهمام ـ، والمالكية ـ كما في: "الشرح الكبير" (1/ 664) للدردير ـ، والشافعية ـ كما في: "نهاية المحتاج" (3/ 42) للشمس الرملي ـ لكنّهم ـ أي: المذاهب الثلاثة ـ خالفوا الحنابلة في جَعْل الاستحباب مُتَعَلَّقاً باليوم الأول؛ وأما الحنابلة فهو عندهم مُتَعَلَّق بالأيام الثلاثة. والمقصود إشباعهم في ذلك اليوم أو الثلاثة أيام، سواء أكان من جيرانهم أم من أقاربهم؛ وإن بَعُدَت دارهم.
ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في: "المسند" (1/ 25) وأبو داود (برقم: 3132) والترمذي (برقم: 998) وابن ماجه (برقم: 161) من حديث عبدالله بن جعفر قال: لما جاء نَعْي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يَشْغلهم" وحسنه الترمذي. وصححه الحاكم في: "المستدرك" (1/ 372) ووافقه الذهبي. قال علي القاري رحمه الله في: "المرقاة شرح المشكاة" (4/ 96): " (فقد أتاهم) أي: من موت جعفر. (ما يشغلهم) بفتح الياء والغين. وقيل: بضم الأول وكَسْر الثالث. القاموس: شَغَلَه كمنعه شغلاً، ويُضَم. وأشغله لغة جيدة، أو قليلة أو رديئة. والمعنى: جائهم ما يَمْنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم، فيحصل لهم الضرر وهم لا يشعرون. قال الطِّيْبي: (دل على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت) أ. هـ. والمراد طعام يُشْبعهم يومهم وليلتهم، فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يَسْتر أكثر من يوم. وقيل: يحمل لهم طعام إلى ثلاثة أيام مدة التعزية، ثم إذا صُنِع لهم ما ذُكِرَ سُنّ أن يُلِحّ عليهم في الأكل؛ لئلا يَضْعفوا بتركه استحياء، أو لفرط جزع. واصطناعه من بعيد أو قريب للنائحات شديد التحريم؛ لأنه إعانة على المعصية. واصطناع أهل البيت له لأجل اجتماع الناس عليه: بدعة مكروهة"أ. هـ.
ثم إن صُنْع الطعام لأهل الميت فيه من الحِكَم الجميلة، والأخلاق الجليلة: الكثير. يقول ابن القيم رحمه الله في: "زاد المعاد" (1/ 528): "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن أهل الميت لا يَتَكلّفون الطعام للناس، بل أمر أن يَصْنع الناسُ لهم طعاماً يرسلونه إليهم. وهذا من أعظم مكارم الأخلاق والشِّيم، والحمل عن أهل الميت، فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس" أ. هـ.
والخلاصة:
أن الجلوس في بيتٍ للعزاء مكروه كراهة تنزيه في أصح قَوْلَيْ الفقهاء، وعليه جمهورهم. وأما إن انضَمَّ إلى ذلك محرم ـ فيكون حراماً، وتسقط الكراهة عند الاحتياج، على ما قرره الفقهاء. والله أعلم.
ـ[وليد الباز]ــــــــ[30 - 07 - 07, 03:55 ص]ـ
يرفع
ـ[عبدالله يعقوب]ــــــــ[01 - 08 - 07, 07:35 ص]ـ
سألت الشيخ ابن جبرين حفظه الله عن الجلوس للعزاء ووضع الكراسي ونحو ذلك ...
فأجاب بما معناه ... أنه لا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك متسع في المنزل لاستقبال المعزين على ألا يكون هناك تلاوة للقرآن من مسجل أو قارئ ونحو ذلك.
ـ[عبدالمهيمن]ــــــــ[01 - 08 - 07, 11:14 ص]ـ
صورة النياحة الذي عليه تفسير السلف لها - أعني الصحابة -: أن النياحة لها صور وكن من صورها في الاجتماع على العزاء أنها ما جمعت شيئين:
الأول: أن يكون هناك اجتماع للعزاء عند أهل الميت وجلوس طويل عندهم.
الثاني: أن يكون هناك صنع للطعام من أهل الميت لإكرام هؤلاء، والتباهي بكثرة من يمكث إظهارا للمصيبة لهذا الميت.
وهذا هو الذي قاله أبو أيوب رضي الله عنه ورحمه قال: كنا نعد الجلوس إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة.
فالنياحة هي ما جمعت الأمرين معا: الجلوس وصنع الطعام
اذا عمل اهل الميت الاكل - لا على اساس المباهاة والمفاخرة - لاسيما لمن ياتيهم من اماكن بعيدة ويحتاج للمبيت والاعاشة .. هل ذلك داخل في النياحة؟
¥