2 - إبراز آثار العقيدة وثمراتها على الفرد والأمة: وهذه خاصية عظيمة اعتنى الشيخ رحمه الله بها؛ فالعقيدة في نظره ليست متناً يحفظ أو يستشرح فحسب، ثم تبقى معرفة ذهنية لا أثر لها في حياة الفرد والأمة! كلا، فهو يحرص رحمه الله أن لا يذكر مسألة من مسائل الاعتقاد إلا ويتبعها بذكر ثمارها، كما صنع في أركان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، من تعداد الثمرات لكل ركنٍ على حدة، ثم ختم ببيان أهداف العقيدة الإسلامية على وجه العموم بما يكشف عن الفهم الثاقب لآثار هذه العقيدة على الفرد والأمة، وهي على سبيل الاختصار: أولاً: إخلاص النية والعبادة لله تعالى وحده.
ثانياً: تحرير العقل والفكر من التخبط الفوضوي الناشئ عن خلو القلب من هذه العقيدة.
ثالثاً: الراحة النفسية والفكرية.
رابعاً: سلامة القصد والعمل من الانحراف في عبادة الله تعالى أو معاملة المخلوقين.
خامساً: الحزم والجد في الأمور.
سادساً: تكوين أمة قوية تبذل كل غالٍ ورخيص في تثبيت دينها، وتوطيد دعائمه.
سابعاً: الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة بإصلاح الأفراد والجماعات، ونيل الثواب والمكرمات [21].
فيا لها من أهداف سامية نبيلة لو أن معلمي العقيدة وضعوها نصب أعينهم وهم يشرحون متونها، ويربطون ذلك بالواقع المعاش للفرد والأمة؛ إذن لحصل بذلك خير عميم، وتأثير بالغ.
كما كان رحمه الله حين يقرر أسماء الله وصفاته في شرحه للعقيدة الواسطية يتبع كل صفة ببيان الفائدة المسلكية للإيمان بها، ومن شواهد ذلك: - (والفائدة المسلكية في الإيمان بصفة القوة والرزق أن لا نطلب القوة والرزق إلا من الله تعالى، وأن نؤمن بأن كل قوة مهما عظمت فلن تقابل قوة الله تعالى) [22].
- (ما نستفيده من الناحية المسلكية في الإيمان بصفتي السمع والرؤية: أما الرؤية فنستفيد من الإيمان بها الخوف والرجاء؛ الخوف عند المعصية؛ لأن الله يرانا، والرجاء عند الطاعة؛ لأن الله يرانا.
ولا شك أنه سيثيبنا على هذا، فتتقوى عزائمنا بطاعة الله، وتضعف إرادتنا لمعصيته.
وأما السمع فالأمر فيه ظاهر؛ لأن الإنسان إذا آمن بسمع الله استلزم إيمانه كمال مراقبة الله تعالى فيما يقول خوفاً ورجاءاً: خوفاً؛ فلا يقول ما يسمع الله تعالى منه من السوء، ورجاءاً: فيقول الكلام الذي يرضي الله عز وجل) [23] وهكذا صنع في سائر الصفات.
ولا شك أن هذا منهج تربوي ينبغي أن يعتمده المعلمون والمربون ليحصل الانتفاع بالقرآن العظيم.
3 - الاعتصام بالكتاب والسنة: لما كان الكلام في الله، والقول عليه من أخطر المقامات تعيَّن لزوم ما جاء في نصوص الوحيين: الكتاب والسنة، والحذر من التقدم بين يدي الله ورسوله مهما كانت المسوغات، وسلوك سبيل السلامة والأدب؛ ولهذا حذر رحمه الله من طريقة أهل التحريف الذين يسمون أنفسهم: «أهل التأويل» لما فيها من الافتيات على النصوص، والقول على الله بغير علم.
قال رحمه الله: «وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن ما سمى الله به نفسه، وما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حق على حقيقته، وعلى ظاهره، ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك، وهو أيضاً لا يمكن أن يفهم منه ما لا يليق بالله عز وجل من صفات النقص أو المماثلة بالمخلوقين، وبهذه الطريقة المثلى يسلمون من الزيغ والإلحاد في أسماء الله وصفاته، فلا يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، غير زائدين في ذلك ولا ناقصين عنه، ولهذا كانت طريقتهم أن أسماء الله وصفاته توقيفية، لا يمكن لأحد أن يسمي الله بما لم يسم به نفسه، أو يصف الله بما لم يصف به نفسه، فإن أي إنسان يقول: إن من أسماء الله كذا، أو ليس من أسماء الله، أو من صفات الله كذا، أو ليس من صفات الله، بلا دليل؛ لأنه لا شك قول على الله بلا علم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] (الأعراف: 33)
¥