تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قاعدة نافعة استفادها من كتاب «العقل والنقل»، وذكر خلاصتها [33].

أما ما ألَّفه ابتداءاً، أو قرره مشافهة ففي غاية السهولة والبيان في ألفاظه وتراكيبه، وكثرة أمثلته ووضوحها، ولعله لهذا السبب وغيره لم يكن يحتفي بتدريس المنطق إلا أن ترد بعض المصطلحات المنطقية عرضاً، أو تبعاً لبعض المتون التي يشرحها، كخاتمة منظومة السفاريني، وطالما ردد رحمه الله مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية: «إني كنت دائماً أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد».

وحين قرر ذات مرة في مسألة «صفة المعية» لله تعالى، فقال: «إن عقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقية ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً» استشكل بعض أهل العلم التعبير بـ «ذاتية»، وتجرأ بعض السفهاء فنسبوه إلى مقالة حلولية الجهمية حاشاه وكلا! مع أنه أراد بذلك توكيد حقيقة معيَّته تبارك وتعالى، وكلامه كله صريح وفير في النكير على أهل الحلول والظنون الفاسدة، لم يجد غضاضة أن يهجر هذا التعبير دفعاً للتوهم، ونشر ذلك في مجلة الدعوة، في غرة محرم سنة 1404هـ، وقال: «رأيت من الواجب استبعاد كلمة (ذاتية)، واعلم أن كل كلمة تستلزم كون الله تعالى في الأرض، أو اختلاطه بمخلوقاته، أو نفي عُلوِّه، أو نفي استوائه على عرشه، أو غير ذلك مما لا يليق به تعالى فإنها كلمة باطلة يجب إنكارها على قائلها، كائناً من كان، وبأي لفظ كانت وكل كلام يوهم ولو عند بعض الناس ما لا يليق بالله تعالى؛ فإن الواجب تجنبه لئلا يظن بالله تعالى ظن السوء، لكن ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب إثباته وبيان بطلان وهم من توهم فيه ما لا يليق بالله عز وجل» [34] فللَّه درُّه! «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [35].

ومما يلتحق بهذه السمة المنهجية في تقريره رحمه الله للعقيدة، مراعاة حال العامة، وعدم مبادأتهم بالمسائل المشكلة، والخلافات العقدية المعضلة التي لا تبلغها عقولهم، ويتشوشون من سماعها، بل كان منهجه رحمه الله في الخطاب العام لجمهور الناس التعبير بالجمل القرآنية والنبوية الواضحة، وعدم الخوض في مقالات أهل البدع من غير ضرورة، لغناهم وعافيتهم من ذلك، وهذا المنهج هو الموافق لفقه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: «حدثوا الناس بما يعرفون! أتريدون أن يُكَذَّبَ اللهَ ورسولُه؟» [36]، وقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» [37]؛ فلهذا قال رحمه الله: «من الحكمة في الدعوة ألاَّ تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه، بل تدعوهم رويداً رويداً حتى تستقر عقولهم؛ فإن قيل: أندَعُ الحديث بما لا تبلغه عقول الناس؟ أجيب: لا ندعه، ولكن نحدثهم عن طريق تبلغه عقولهم، وذلك بأن ننقلهم رويداً رويداً حتى يتقبلوا هذا الحديث ويطمئنوا إليه، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم، ونقول هذا شيء مستنكر لا يتكلم به ...

ويستفاد من هذا الأثر: أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين، وينزل كل إنسان منزلته» [38].

6 - مواجهة النوازل العقدية: اتسمت العصور الأخيرة من حياة المسلمين بكثرة الشبهات وطروء البدع العقدية بسبب انحسار ظل الإسلام، وغلبة المشركين وأهل الكتاب، وانفتاح أمم الأرض بعضها على بعض، وسريان العقائد والأفكار والعادات والأوضاع عبر وسائل الإعلام المختلفة، فدهم المسلمين من النوازل العقدية ما اشتدت الضرورة فيه إلى علماء ربانيين، يُثبِّتون الناس، ويُمسِّكون بالكتاب، ويُنزلون الأوضاع الطارئة على الأصول الثابتة.

وكان شيخنا رحمه الله في طليعة هؤلاء الموفقين؛ فلم يكتف بالتقعيد النظري لمسائل الاعتقاد أو حتى منازلة الفرق العتيقة من أهل القبلة وغيرهم، بل ضم إلى ذلك مواجهة ما استجد من فرق الضلال وكشف زيفها، وما شاع من أفكار منحرفة، ودعوات باطلة، وأعمال وألفاظ منافية للعقيدة الصحيحة.

- فحذر من الإلحاد المتمثل في زمنه بـ «الشيوعية» و «المادية» و «الطبيعة».

- وفصَّل القول في الحكم بغير ما أنزل الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير