والتوكل على غير الله ـــــ جل وعلا ــــــ له حالان.
الحال الأولى: أن يكون شركا أكبر، وهو أن يتوكل على أحد من الخلق فيما لا يقدر عليه إلا الله ـــ جل جلاله ــــ، كأن يتوكل على المخلوق في مغفرة الذنب، وأن يتوكل على المخلوق في تحصيل الخيرات الأخروية، أو يتوكل على المخلوق في تحصيل ولد له، أو في تحصيل وظيفة له، فيتوكل عليه بقلبه، وهو لا يقدر على ذلك الشيء، وهذا يكثر عند عباد القبور وعباد الأولياء، فإنهم يتوجهون إلى الموتى بقلوبهم يتوكلون عليهم، ويفوضون أمر صلاحهم فيما يريدون في الدنيا والآخرة إلى أولئك الموتى وإلى تلك الآلهة والأوثان التي لا تقدر من ذلك على شيء، فهذه عبادة صرفت لغير الله ـــ جل وعلا ـــــ وهو شرك أكبر بالله ـــــ جل وعلا ــــ مناف لأصل التوحيد.
والنوع الثاني: أن يتوكل على المخلوق فيما أقدره الله ــــ جل وعلا ــــ عليه، وهذا نوع شرك، بل هو شرك خفي، وشرك أصغر؛ ولهذا قال طائفة من أهل العلم.
إذا قال: توكلت على الله وعليك فإن هذا شرك أصغر؛
ولهذا قالوا:
لا يجوز أن يقول: توكلت على الله ثم عليك؛ لأن المخلوق ليس له نصيب من التوكل، فإن التوكل إنما هو تفويض الأمر والالتجاء بالقلب إلى من بيده الأمر وهو الله ــــ جل وعلا ــــ، والمخلوق لا يستحق شيئا من ذلك.
فالتوكل على المخلوق فيما يقدر عليه شرك خفي ونوع شرك أصغر، والتوكل على المخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، وهذا يكثر عند عباد القبور والمتوجهين إلى الأولياء والموتى، هو شرك يخرج من الملة.
وحقيقة التوكل الذي ذكرناه لا يصلح إلا لله ــــ جل وعلا ــــ؛ لأنه تفويض الأمر إلى من بيده الأمر والمخلوق ليس بيده الأمر، فالتجاء القلب ورغب القلب وطمع القلب في تحصيل المطلوب إنما يكون ذلك ممن يملكه وهو الله ــــ جل وعلا ـــ، أما المخلوق فلا يقدر على شيء استقلالا وإنما هو سبب، فإذا كان سببا فإنه لا يجوز التوكل عليه؛ لأن التوكل عمل القلب وإنما يجعله سببا بأن يجعله شفيعا، أو واسطة، ونحو ذلك، فهذا لا يعني أنه متوكل عليه، فيجعل المخلوق سببا فيما أقدره الله عليه ولكن يفوض أمر النفع بهذا السبب إلى الله ــ جل وعلا ـــ، فيتوكل على الله ويأتي بالسبب الذي هو الانتفاع من هذا المخلوق بما جعل الله ــــ جل وعلا ــــ له من الانتفاع أو من القدرة ونحو ذلك. اهـ
التمهيد شرح كتاب التوحيد (ص 375 ـــ 376).
ومع ذلك فقد أفتت اللجنة الدائمة بجواز مثل هذه العبارة (توكّلت على الله ثم على فلان) إجابة عن سؤال ورد إليها نصّه:
السؤال الأول من الفتوى رقم (3571):
س: إن لقبي عبد القوي فما حكمه في الإسلام, وهل يجوز القول توكلت على الله ثم عليك أو كذلك أرجو منك يا أخي؟
ج: يجوز أن يقول الشخص توكلت على الله ثم عليك, فإن التوكل على الله هو تفويض الأمر إليه والاعتماد عليه, فهو جل وعلا المتصرف في هذا الكون, والتوكل على العبد بعد التوكل على الله جل وعلا تفويض العبد فيما يقدر عليه, فالله له مشيئة والعبد له مشيئة, ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى, قال تعالى: لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين
وقال تعالى: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصل ذلك, فروى النسائي وصححه عن قتيلة أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت, وتقولون: والكعبة, فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة, وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان, ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء فلان أما التلقيب بعبد القوي وهكذا التسمي بهذا الاسم فلا بأس به, لأن القوي من أسماء الله عز وجل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبد الله بن قعود ... عضو: عبد الله بن غديان
نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي ... الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 377 ـــ 378).
قلت:
¥