تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وطبيعي أن يصير الأمر بهؤلاء إلى الاستخفاف بالقِيَم التي حفظت للمجتمعات الإسلامية تماسكها أمام زحف الدعوات المشبوهة على امتداد القرون، وطبيعي أن يكون لذلك أثره في إعداد الجو المساعد لانتشار الفكر العلماني، الذي كان من ثمراته السامة تلك النباتات المتنامية! ا الوطن العربي من القومية ثم الماركسية والناصرية والبعثية، وما إليها من تيارات لا غرض لها في النهاية سوى تمزيق الوشائج الرحمانية التي جمعت العرب وغير العرب على أخوّة الإسلام، لِتُقَدِّمَ الأمة كلها لقمة سائغة إلى أعدائها المتربصين بها الدوائر.

وكرامة الأمة أمانة أيضا:

والباحث في هذا الجانب من الأغاني لابد له أن يتساءل: لقد أشرف على طبعات الكتاب منذ العام 1868 حتى 1927 م عدد من كبريات الهيئات العلمية كان آخرها/ المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر/ وعدد من عِلْية المثقفين، ويكفي أن يكون على رأس آخرهم عمالقة مثل الشاعر حافظ إبراهيم وأحمد نسيم والعلامة أحمد تيمور باشا والأستاذ محمد الخضري وأحمد أمين. منهم المصحح ومنهم المدقق والمُراجع .. وقد ظهر أثر هؤلاء الكبار بارزاً! ا ضبط الأعلام والغريب والشعر والأماكن والمصطلحات، فجاءت هذه الطبعة على غاية من الدقة خالية من كل الأخطاء التي شوهت الطبعتين السابقتين. وهو جهد يستحق الثناء ونتمنى أن يكون نصيبَ كل مطبوع هام من تراثنا الأثير ..

على أن المطلع على هذا المجهود المتكامل لا يسعه إلا أن يتساءل أيضا: ألم يكن من حق هذا التراث على تلك اللجان الممتازة من كبار العلماء المسلمين وأدبائهم أن يوجهوا بعض هذا الجهد لتطهير الكتاب من هاتيك الشوائب التي دُست على تاريخ الإسلام فشوهت الكثير من معالمه وسِيَرِ أعلامِه!!.

لاجرم أن ضبط الألفاظ ذات الدلالات العلمية والاصطلاحية عمل مشكور تقتضيه الأمانة، ولكن حق الأمة مورِثةِ هذا التراث أمانة في عنق أولي العلم، وهي تقتضيهم كذلك أن يُعنَوا بالحفاظ على موجباتها فيتعقبوا كل نبأ يغمط هذا الحق بالنظر في إسناده وإتباعه بالرأي الذي يكشف ما وراءه من نية مدخولة أو واقع صحيح، ولوهم فعلوا، وفي طوقهم أن يفعلوا، لأنصفوا الحقيقة، ولصححوا نظرة القراء إلى ماضي هذه الأمة بدلا من التطويح بهم في مجاهل الضياع .. ولم لا .. وهم أحق الناس بتدقيق الأسانيد ومعرفة رجالها والتمييز بين مجروحِهم ومعدَّلِهم، وإنه لمن المتعذر الظن بأن هؤلاء السادة كانوا يواجهون كل هاتيك المفتريات الصارخة على تاريخنا وهم عاجزون عن تقييمها، حتى يختلط الحق بالباطل، ويخرج قارئها السليم القلب وهو أقرب إلى تصديقها، أخذاً بشهادة هذه الثلة الكريمة المشرفة على إخراج الكتاب جملة وتفصيلا!. ولا جرم أن لإغضاء الهيئة الفاضلة على هاتيك البوائق أثراً لا ينكر في إعطائها صفة الوقائع الحاسمة، ومن ثَم تعميمها، ثم الإسهام مع مؤلفها! ا تشويه تاريخنا العريق!.

على أن المتبادر إلى الذهن بإزاء هذا الوضع أن التبعة إنما تقع على منهج الهيئة في مثل هذا الموقف، إذ ترى أن مسئوليتها تتحدد في إتقان الإخراج والضبط دون التعرض لقيمة المضمون!. وهذا قد يكون مقبولا في المَرويات الخفيفة لا في كتاب الأغاني الذي تُقَدمه/ المؤسسة المصرية العامة- في التصدير الأول المؤرخ عام 1963 م- بأنه (الموسوعة الأدبية الجامعة) ومن قبلُ يصفه رئيس المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية/ على ماهر باشا- في التصدير الثاني ص 7 والمؤرخ في مايو 1225 - بأنه (الكتاب الجليل القدر الذي يُعَد مصدراً للأدب العربي وينبوعاً يغترف منه كل متأدب ولا يستغني عنه أديب .. ) وهو تعريف لا ينافي الواقع عندما يُنظر إليه من حيث الكثافة الثقافية التي يستوعبها الكتاب، وتؤيدها الأسانيدُ الصحيحةُ، ولكنه لا ينبغي أن يشمل التفاهات التي لا يُقرها عقل ولادين وتُسقط رواية مؤلفِها عند العلماء الثقات كالإمام ابن الجوزي الذي يقول عنه إنه (يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق .. ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل منكر وقبيح) - التصدير ص 10 - ومعلوم عند أهل المروءة والدين أن الفاسق ساقط الشهادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير