وإنها لشهادة فاضحة من شأنها أن تهدم كل الأقاصيص الخرقاء التي تبناها صاحب (حديث الأربعاء) عن فضليات ذلك العهد، ليوهم قارئه أن إقبالهن المزعوم على مخالطة ذلك الفاجر في الخلوات ليس إلا انطلاقا مع الحرية التي منحها الإِسلام للمرأة! وما تلك لعمر اللّه إلا حرية السفهاء الذين لا ينظرون إلى الحياة إلا من خلال الشهوات، ولو نظر إلى أعاضيه ابن أبي ربيعة في مقاييس الإِيمان وعلى ضوء الضوابط الإسلامية لما جاوز في تفسيرها قولَ الحكيم الحليم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} وها هو ذا ابن أبي ربيعة يقول ما لم يفعل ويفتري الكذب على المحصنات الغافلات لِيُسهِم في إشاعة الفجور مع أعداء الإنسان والإِسلام، ثم يستيقظ ضميره النائم ذات يوم فيستغفر اللّه ويَشهد على نفسه بأنه لم يفعل شيئا من كل ما نسجه من هاتيك المحاورات المفتريات!!.
ومن غير المعقول أن يمر أديب كبير مثل صاحب (حديث الأربعاء) بتلك الموبقات دون أن يلاحظ عليها طابع الافتعال، الذي يصور أوضاع فارغين حيل بينهم وبن السلوك الرفيع، وتدفقت عليهم هبات الحكم الذي قصد إلى شل فاعليتهم البناءة، فلم يجدوا سبيلا لإثبات ذواتهم سوى ميادين الغواية، فراحوا يتسابقون لا صناعة ذلك الشعر الذي يترجمون به أحلامهم الكمينة في صور محسوسة يُخيَّل لقارئها أنها منتزعة من صميم الواقع! ..
ولكن صاحب (حديث الأربعاء) ما كان ليهمه من تلك المرويات سوى الامتاع والاستمتاع، كما فعل في كتابه الآخر (على هامش السيرة) فأحسن العرض الفني بمقدار ما أساء إلى الحقيقة الواقعية، وهو المنهج نفسه الذي سلكه في كتابه عن الأدب الجاهلي الذي جرَّأ به الغُواة على التشكيك في بعض حقائق الوحي تحقيقا لرغبة أساتيذه من المنصِّرين والمستشرقين ..
وما مثله ومثل سلفه صاحب (الأغاني) في ذلك إلا كمثل أولئك الذين يقول الشاعر القديم فيهم:
أن يسمعوا ريبة طار ا بها فرحا عنى وما علموا من صالح دفنوا
وأخيرا .. إن مثل هؤلاء لا يسعد قلب المؤمن بصحبتهم فكيف إذا امتدِّز منها إلى المدى الذي اضطررنا إليه في هذا العرض، فلْنُنْهِ هذه الرحلةَ بالخاتمة التي اختارها صاحب الأغاني لأثيره كبير المفسدين إبراهيم بن ماهان الملقب بالموصلي. ويأبى الأصفهاني إلا أن يطبع هذه الخاتمة بسواة جديدة يلصقها بذكر الرشيد، إذْ جاءه الخبر بموت هذا الخليط العجيب - في يوم واحد - إبراهيم الموصلي والكسائي النحوي، والشاعر النظيف ابن الأحنف، وهُشَيمةَ الخمارة - بل القوادة على رأى اسحق في رثائه إياها - فما كان من الرشيد إلا أن ندب ابنَه المأمون للصلاة عليهم صفا - 5/ 165 - وبذلك استوى هؤلاء الأربعة باستحقاق التكريم في دولة الخليفة العظيم- على رأي ذلك المفتري الأثيم-!.
بيد أن ابن سبابة أو أبا الأسد، وهما من غواة إبراهيم، كان أعلم به وبمكانته الحقيقية إذ يقول أحدهما في رثائه:
ستبكيه المزاهروالملاهي وتُسعدُهنَّ عاتقةُ الدِنان
وتبكيه الغَوِّيةُ إذ تولّى ولا تبكيه تاليةُ القُران
(5/ 256)
وحقا إن موت نظراء الموصلي وهشيمة لأحق بدموع الخلعاء السفهاء من أدوات الشيطان، ولن يجعل اللّه لأشباههم حظاً في عيون حَمَلَةِ القرآن ..
والحمد للّه .. ولا حول ولا قوة إلا باللّه ...
ـ[الرايه]ــــــــ[14 - 10 - 04, 07:54 م]ـ
شكرا للشيخ سليمان على هذا النقل.
ـ[آل حسين]ــــــــ[15 - 10 - 04, 06:09 م]ـ
السلام عليكم
أبو عمر السمرقندي أنا لا أفهم دندنتك ولا دندنة فلان وعلان
هذه الكتب لا خير فيها ونسأل الله أن يغنينا عنها
ـ[النقّاد]ــــــــ[16 - 10 - 04, 02:35 ص]ـ
القراءة في كتاب ((الأغاني)) ليست واجبة , فمن أراد أن يقرأه وينتفع به كما انتفع به عامة أهل العلم فقد نصح لنفسه , ومن رغب عنه فلا بأس عليه إن شاء الله وما أراه بهذا قد ارتكب معصية أو قارف حراما ..
ـ[الرايه]ــــــــ[23 - 07 - 08, 10:19 م]ـ
للشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله -
مقالة عن كتاب الأغاني
انظرها في: فصول في الثقافة والأدب
ص 101 - 104
ـ[أبو بكر المكي]ــــــــ[01 - 01 - 09, 08:25 ص]ـ
سلام الله عليكم
ربما سأضطر إلى رفع الموضوع:
لأني وجدت مقالة في (مجلة رابطة الأدب الإسلامي) (ص9 - 17) بعنوان: الانحياز والعلم .. كتاب " السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني"
د. إبراهيم السامرائي .. العدد الثامن _ السنة الثانية - جمادى الآخرة 1416
وسأنقله على حلقات:
ـ[أبو بكر المكي]ــــــــ[01 - 01 - 09, 08:39 ص]ـ
((1))
- ليس من ضير أن أستعير كلمة "الانحياز" من كلمة مركبة عرفتها العربية المعاصرة دارت وشاعت في كتابت المعاصرين من أهل السياسة، وترددت في الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، تلكم هي "عدم الانحياز".
---
- وقد كان لنا أن نزخرف عربيتنا المعاصرة بما نقتبسه من اللغات الغربية، فقد أريد الانكليزية، أن توصف جماعة من الدول بأنها لا تتبع إحدى القوتين العظميين إبان عهود ما دُعي لديهم "بالحرب الباردة"، وهما الغرب، والاتحاد السوفيتي، فأطلقوا مصطلحهم Non-A11y، وهو في الفرنسية Nona11ie .
وليس قصدي أن أؤرخ لهذا المصطلح السياسي، ولكن أكتفي بالقول إنه اختير لدى الغربيين بعد أن كانوا يرددون "الدول المتخلفة"، وكأنهم هجروا هذا المصطلح الأخير لحاجة في أنفسهم تتصل بحسن لقاء هذه الدول وتملقها.
¥