تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الكلام غريب عن موطنه، وهو من التخطئة والتصويب بمعزل، ولا زال أئمة الدين ومن لهم قدم صدق فيه يتكلمون في تخطئة من هو أكرم عند الله من أبي حنيفة وغيره _ ورحم الله الجميع _ ولا يعرجون على الكلام الذي ذكرتَ، حتى صح عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة أنه سئل عن اختلاف الصحابة، فقال: (خطأ وصواب، لا يكون الحق ونقيضه صوابا)، ولو كان هذا من العلم في شيء لكان مالك وإخوانه أولى به منا، بل لو كان من الورع في شيء كما قد يظنه بعض الناس لكانوا أولى به، ولم أذكر مالكا حجة، وإنما مثالا، ولو نقلت عن غيره لطال المقام، وصدقني لم يتفطن أحد إلى هذا فيما مضى لأنه من محدثات المتكلمين في العقائد تلقفها عنهم أهل الرأي في الفقه والأصول.

ثم أخي ما علاقة وصف الأمر بكونه حقا في نفس الأمر أو باطلا بالاستدلال ويقين الإنسان المتزايد بالدلائل، لو كان الأمر لا يُتقيّن إلا بكونه حقا في نفسه، فما تعب الناس في البحث عن زيادة الدلائل، لأنه إذا كان حقا في نفس الأمر سيُتقين بدون ذلك! ولو كان الأمر كذلك لاستوى الناس في القطع بما هو حق في نفس الأمر، ولكن الأمر ليس كذلك.

يقينك وقطعك أُخيّ متعلق بوصف قائم بك سببه ما تعلمه أنت مما وفقك الله إليه، لا على ما يتصف به الأمر من كونه حقا أو باطلا في نفس الأمر، ألا ترى المؤمنين ازدادوا إيمانا بآيات الله، وهذا عند أهل الحديث والأثر زيادة من جهة الاعتقاد _ العلم _ ومن جهة العمل كذلك، فاليقين عندهم يتفاوت فيزداد قوة، ويضعف كذلك حتى لا يبقى منه شيء كما قال الأئمة، فلو كان متعلقا بنفس الأمر وكونه حقا أو باطلا لكان إيمانهم لا يزيد ولا ينقص، ولكانوا مرتبة واحدة، وهذا قول المرجئة أعاذنا الله وإياك وسائر المسلمين من المحدثات.

ثالثا: لو كان ما ذكرتَ له نصيب من الصواب بالجملة لكان مجانبا تماما للصواب في مسألة رفع اليدين، أعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة زيادة على ما قال الحنفية _ رحم الله من تقدم منهم ومن تأخر _، أبو حاتم الرازي يقول في حديث مسدد عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: كأنك تسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم! [أخرجه الخطيب الجامع (1368)]، والناس من قديم يردون على من يزعم أن خبر الواحد لا يفيد العلم مطلقا، ويمثلون بأحاديث دون أحاديث رفع اليدين، أما أحاديث رفع اليدين (قد قال البخاري في جزء رفع اليدين: من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة، فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه. قال: ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع أنتهى، والله أعلم. وذكر البخاري أيضا أنه رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة، وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه العشرة المبشرة، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا) [من كلام الحافظ في الفتح 2/ 220]، (وسرد البيهقي في السنن وفي الخلافيات أسماء من روى الرفع عن نحو من ثلاثين صحابيا، وقال: سمعت الحاكم يقول: اتفق على رواية هذه السنة العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن بعدهم من أكابر الصحابة، قال البيهقي: وهو كما قال) [من كلام الحافظ في التلخيص الحبير 1/ 220]، وكان ابن عمر يحصب من لا يرفع يديه، ورفع اليدين عند الركوع والرفع منه متواتر، حتى قال به من الحنفية [انظر مقدمة صفة صلاة النبي 56]،

والحنفية لا يناقشون في حكم الرفع فقط بل هم قائلون بعدم وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم أصلا بعد تكبيرة الإحرام _ وهذه قضية نقلية.

لا أريد الخوض في المسألة بقدر ما أريد التنبيه على قدرها من جهة القطع بوقوع رفع اليدين منه صلى الله عليه وسلم في مواضع.

الرابع: حصل اضطراب في كلامك _ في ظني _ أنبهك عليه وهو قولك حفظك الله من كل سوء: (نعم يظهر التكلف في تمحل بعض الآراء، والبعد بها عن صحيح وصريح الروايات ... ) إذا هناك مخالفة لصريح النصوص في بعض المسائل الخلافية! ولم يتحقق الإجماع مع صراحة النصوص! ثم عدت القهقرى فقلت: (وقد تتجلى بعض الآراء بالنصوص الصريحة التي لا تحتمل التعارض، ولا التأويل، فيتحقق الإجماع فيمكن الجزم فيها بأن الحق فيها عند الله كذا .. أما فرض المسألة فهي في المسائل الخلافية)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير