تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هناك فتن ظاهرة وهناك فتن باطنة وهناك فتن كبرى مُضِلَّة وهناك فتن يسيرة لا ينفك منها أحد، وكُلُّ هذا ليظهر مدى امتثال المكلَّف ومدى ارتباطه وتعلُّقه بربِّه عزَّ وجل، وهذا الصراع رُتِّب عليه الثواب العظيم؛ من استسلم ولم يُقاوم وظلَّ وفُتن فهذا مآله معروف، لكن منْ قاوم؟ تعرَّض للفتن وقاوم واستفاد منها فيما يرضي الله عزَّ وجل وخرج منها ظافراًَ مُتغلباًَ على هوى نفسه والشيطان؛ مُتغلباًَ على عدوه من شياطين الإنس والجن؛ هذا لا شك أنه ممَّن أراد الله به خيراًَ ولو تعرَّض للفتن.

وهذه الفتن إذا وقعت تُقاوم؛ ولا ينبغي للإنسان أن يتمنى وقوع هذه الفتن ليُقاوِم؛ لا؛ فهي من باب تمنِّي لقاء العدو؛ وما يُدريك لعلَّك تُخفق؛ لعلَّك تُفتن ولا تستطيع أن تقاوم هذه الفتن، لكن إذا حصلت فعليك بالمجاهدة والمصابرة حتى تخرج منها ظافراًَ بما يرضي الله عزَّ وجل.

يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (كتاب الفتن بسم الله الرحمن الرحيم) كما في رواية أبي ذر، وفي رواية ابن عساكر (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفتن) وهذا التقديم والتأخير يوجد في كثيرٍِ من الكتب؛ ولِكُلٍِ وجهه؛ إذا قُدِّمت البسملة كما هو الأصل تكون شاملة للكتاب للترجمة ولما تحته؛ فهي مُقدَّمة عليه مبدوء بها، وإذا قُدِّمت الترجمة على البسملة صارت الترجمة بمثابة تسمية السورة والبسملة بعدها، ولذا يوجد التقديم والتأخير في كثيرٍِ من الأبواب.

يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب ما جاء في قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) اتقوا: أي اجعلوا بينكم وبين ما ذُكر وقاية؛ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بل تعُم الصالح والطالح؛ المباشر للمعصية المرتكب لها والراضي بها والتارك لإنكارها وتغييرها مع قدرته على ذلك.

فالفتنة إذا نزلت عمَّت؛ في مثل هذه الظروف (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بل تعُم من ارتكب الذنب ومن عَلِم به ورضي بفعله أو عَلِم به ولم يُنكر عليه مع القدرة على الإنكار؛ تَعُمُّه؛ وهذه نتيجة المداهنة وإقرار المنكر وافتراق الكلمة؛ بحيث تَعُم الشرور والمعاصي والمنكرات ويتقاعس الناس ويتواكلون في إنكارها؛ تجد الإنسان يَمُر بشخصٍِ يرتكب منكر أو يترك واجب؛ ويتركه إعتماداًَ على أنه كُلِّف بهذا الأمر من كُلِّف من قِبَل ولي الأمر ولسنا مسؤولين!! أنت المسؤول؛ مكلَّف من قِبَل الله عزَّ وجل (من رأى منكم منكراًَ فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه) ولا يَسَع أحداًَ يمُرُّ بمنكر مهما كان فاعله ولا يُنكر عليه، وما وصل الأمر إلى ما وصل إليه مما نعيشُه من ظروف وتعيشُه الأمة في سائر الأقطار من انتشار المنكرات مع ضعفٍِ في الإنكار إن وُجد إلا ضريبة تواكل سنين، تجد الأخيار ينكرون بلا شك والإنكار موجود لكنه ليس على المستوى المطلوب لمقاومة هذه السيول الجارفة من المنكرات التي قُصِد بها من قِبَل الأعداء إفساد هذه الأمة؛ لأنه إذا فسدت وفَشَت فيها المنكرات سَهُل الاستيلاء عليها بعد أن ذلَّت لِذُل المعاصي والمنكرات.

وجاء الوعيد الشديد في ترك الإنكار؛ وإذا تُرِك صاحب المنكر فإن المصيبة والكارثة تَعُمُّ صاحبها ومَنْ سكت ومَنْ أقرَّه، وسبب لعن بني إسرائيل أنهم (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) قد يصل الأمر إلى حد اليأس في زوال المنكر فيقول الإنسان: ما الفائدة في كوني أُنكر مع أنَّ صاحب المنكر لا يرتدع ولا يرعوي؟ نقول: عليك أن تبذُل السبب وتمتثل الأمر وتفعل ما أُمرت به والنتائج بيد الله عزَّ وجل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير