تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان شيخنا البرماوي رحمه الله بهي الطلعة بشوشاً منير الوجه بلحيته البيضاء، وكان يتميز بالزهد في حطام الدنيا فقد عاش رحمه الله فقيراً متعففا ومات فقيراً رحمه الله، حيث لم يكن له مصدر للدخل سوى معاش التقاعد المتواضع، وكان يسكن كما ذكرنا في شقة متواضعة ذات أثاث في غاية التواضع في حي شعبي هو عزبة سعد كما ذكرنا.

وبينما كان أقرانه من قدماء أساتذة الأزهر يقضون أوقاتهم في إعطاء الدروس الخصوصية في اللغة العربية وغيرها ويتوسعون في الرزق من هذا، وبعضهم كان يتملق للمسؤولين طمعا في المناصب، كان هو يتعفف عن ذلك، ويلقي المحاضرات المجانية في اللغة العربية للطلاب، ويقضي جل وقته في التعليم والدعوة إلى الله تعالى.

والسنوات التي صحبته فيها كانت بعد تقاعده، فكان يفتح بيته للطلاب في الصباح الباكر فيحضرون إلى بيته في الساعة التاسعة أو العاشرة صباحا يقرؤون عليه إلى الظهر في الفقه والأصول والنحو والصرف وكانوا يقرؤون عليه شرح السنة للبغوي، ثم يستريح إلى العصر، وبعد العصر بقليل يأتيه من ينقله بالسيارة إلى المسجد الذي سيلقي فيه الدرس بين العشائين، وقد كان لي شرف المشاركة في توصيله بسيارتي المتواضعة الفيات البيضاء وأنا طالب في الجامعة إلى دروسه وحضورها معه والاستمتاع بصحبته في الطريق، وكان شيخنا البرماوي يتميز بحرصه على التدريس في المساجد التي لا يصل إليها أحد من طلبة العلم في المناطق النائية، وقلما كان يدرّس في المساجد المشهورة التي فيها غيره من الدعاة وإذا دعي إليها يقول لهم عندكم الشيخ فلان فيه الكفاية، وكيف أدرس في مسجد فيه الشيخ فلان؟ ويشترط عليهم أنه إذا زارهم فسيذهب ليحضر درس الشيخ فلان ليستفيد من علمه، وفي الغالب يكون الشيخ فلان هذا من تلاميذه أو تلاميذ تلاميذه، ولكن الجهال كانوا أحيانا يصدقون أن الشيخ البرماوي بحاجة إلى الاستفادة من دروس تلاميذه هؤلاء، وما ذلك إلا لتواضعه، وكانت دروسه في الأيام السبعة من أيام الأسبوع كل يوم في حي، فكانت له دروس في حي يقال له كوم البصل ما سمعت وأنا من سكان الإسكندرية باسم هذا الحي إلا منه رحمه الله ودرس في أبي قير وآخر في الدخيلة وآخر في مسجد الشهداء بلوران وآخر بمسجد الحمام وغيرها، وكان يشرح في دروسه للعوام كتاب نيل الأوطار وغيره من كتب الحديث والفقه فيسهله لهم ويترفق بهم في الإيضاح ويتدرج بهم فلا يقوم من المجلس إلا وقد استوعبوا موضوع المحاضرة حتى لو كان في البيوع أو المعاملات، وكان له أسلوب فذٌّ في تيسير العلم وتبسيطه للعوام، وقد تأثرت جداً بطريقته في الشرح والبيان.

وكان صاحب طرفة ودعابة لطيفة، فمن ذلك أني كنت معه مرة في مسجد أهل التوحيد بحي غبريال، وذلك المسجد طويل جدا يمشي المصلي مسافة طويلة من الباب حتى يصل إلى المحراب، فقال الشيخ البرماوي وهو يقطع تلك المسافة ببطء لكبر سنه ومشقة المشي عليه: ما شاء الله! هذه مسافة تقصر لها الصلاة.

ومن جميل مآثره رحمه الله أنه كان إذا سمع متحدثا يذكر فائدة أو معلومة يصغي بسمعه ويحني جبهته ويبدي إعجابه وكأنه يستمع إلى تلك المعلومة للمرة الأولى بينما أكون سمعتها منه بأتم شرح وأوفى بيان عشرات المرات من قبل، وكان شديد التواضع لتلاميذه حتى يحسبهم الجاهل أساتذته، وكان يحضر مجالس العلم لتلاميذه من أمثال شيخنا الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم وشيخنا الشيخ السيد بن سعد الدين الغباشي حفظهما الله ويصر على الجلوس بين أيديهما متعلما مع الطلاب وهما يلحان عليه أن يلقي الدرس بدلا منهما وأنهما لا يمكنهما التدريس في حضوره فكان أحيانا يقبل ويلقي المحاضرة وأحيانا يصر على الجلوس مع الطلاب للاستفادة ويكتفي بالتعقيب في نهاية المحاضرة بغرر الفوائد.

كما كان أحيانا يحضر حديث الثلاثاء الذي يلقيه الإخوان المسلمون بمسجد عصر الإسلام فيحتفون به ويكرمونه، ويطلبون منه التعليق على المحاضرة والإجابة على الاستفتاءات، وقد كانت طريقته رحمه الله الرفق بجميع الجماعات الإسلامية والتعاون معهم على الخير وتأليف قلوبهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير