تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ضرب على هذا الحديث أبو الوليد الطيالسي، وأعله أحمد والبخاري والترمذي وأبو داود والدارقطني بأن جريراً وحجاجاً الصواف كانا عند ثابت البناني فحدث به حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ... ، فوهم جرير فظن أن الحديث: عن ثابت عن أنس. وإنما روى ثابت عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة يتكلم مع الرجل حتى ينعس بعض القوم».

وثابت عن أنس جادة، حيث قال الإمام أحمد في رواية الميموني: «هؤلاء الشيوخ إنما يلحقون عن ثابت عن أنس إسناداً عرفوه».

ومن أقدم النصوص التي أشارت إلى هذه القرينة: قول يحيى القطان: كنت إذا أخطأت قال لي سفيان الثوري: أخطأت يا يحيى، فحدث يوماً عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، قال يحيى بن سعيد: فقلت أخطأت يا أبا عبد الله، هذا أهون عليك، قال: فكيف هو يا يحيى؟ قال: فقلت: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عن عبد الله عمر عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فقال لي صدقت يا يحيى ... ».

ومن الأمثلة القديمة أيضاً: قول الحميدي: «قيل لسفيان - أي ابن عيينة -: إن عبد الرحمن بن مهدي يقول: إن سفيان أصوب في هذا الحديث من مالك، قال سفيان: وما يدريه؟ أدرك صفوان؟ قالوا: لا، لكنه قال: إن مالكاً قال: عن صفوان عن عطاء بن يسار، وقال سفيان: عن أنيسة عن أم سعيد بنت مرة عن أبيها، فمن أين جاء بهذا الإسناد؟ فقال سفيان: ما أحسن ما قال! لو قال لنا: (صفوان عن عطاء ابن يسار كان أهون علينا من أن نجئ بهذا الإسناد الشديد)».

وقد يقع في سلوك الجادة جماعة عن راو واحد، كما قال ابن حجر (الفتح): « ... ورواه سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه، وكأنهم سلكوا الجادة، لأن عبيد الله بن عمر معروف بالرواية عن نافع مكثر عنه».

ومن الغريب هنا قول ابن حجر عند حديثٍ (الفتح): «قال ابن عبد البر: رواية عبد العزيز خطأ بيّن، لأنه لو كان ثمَّ عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلاً. انتهى. وفي هذا التعليل نظر، وما المانع أن يكون له فيه شيخان. نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك الجادة، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه».

فكيف يقول بأن في تعليله نظراً وهو موافق لطريقة أهل الحديث كما ذكر.

وهو قد قال في موضع آخر من كتبه (هدي الساري): «وأما المخالفة، وينشأ عنها الشذوذ والنكارة، فإذا روى الضابط والصدوق شيئاً فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، فهذا شاذ، وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ، فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكراً».

وقال أيضاً (تغليق التعليق): «والأول أقعد بطريقة المحدثين».

وقوله: «وما المانع ... » يجاب عنه بقول ابن القيم: «وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله ... ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات»، وبقول البلقيني: «ولو فتحنا باب التأويلات لاندفع كثير من علل الحديث».

ومن القواعد المتعلقة بهذه القاعدة، قول أحمد: «أهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً يقولون: ابن المنكدر عن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت عن أنس، يحيلون عليهما».

وقال أيضاً: «كان ابن المنكدر رجلاً صالحاً، وكان يعرف بجابر، وكان يحدث عن يزيد الرقاشي، فربما حدث بالشيء مرسلاً فجعلوه عن جابر».

وقد أكثر ابن عدي من قوله: «أسهل عليه» في نقده لمن سلك الجادة في الأسانيد من الرواة.

وقال أبو حاتم في حديث اختلف فيه على هشام بن عروة: «هذا الحديث أفسد حديث روح بن عبادة وبين علته، وهذا الصحيح، ولا يحتمل أن يكون عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيروى عن يحيى بن سعيد عن عائشة، ولو كان عن ابيه كان أسهل عليه حفظاً».

وقد يرجح الحفاظ رواية من سلك الجادة على رواية من أتى بإسناد غريب، أو تقل الرواية به، كما سيأتي في قرينة غرابة السند.

كما قد ترجح هذه القرينة على العدد الكثير لقوتها.

قال البخاري: حدثنا عاصم بن علي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد، عن أبي شريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»، تابعه شبابة وأسد بن موسى.

وقال حميد بن الأسود، وعثمان بن عمر، وأبو بكر بن عياش، وشعيب بن إسحق: عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة».

وعلق ابن حجر على ذلك بقوله: «وإذا تقرر ذلك، فالأكثر قالوا فيه: عن أبي هريرة. فكن ينبغي ترجيحهم، ويؤيده أن الراوي إذا حدث في بلده كان أتقن لما يحدثه به في حال سقره، ولكن عارض ذلك أن سعيداً المقبري مشهور بالرواية عن أبي هريرة، فمن قال عنه: «عن أبي هريرة» سلك الجادة، فكانت مع من قال عنه: عن أبي شريح، زيادة علم ليست عند الآخرين، وأيضاً فقد وجد معنى الحديث من رواية الليث عن سعيد المقبري عن أبي شريح كما سيأتي بعد باب، فكانت فيه تقوية لمن رواه عن ابن أبي ذئب، فقال فيه: عن أبي شريح. ومع ذلك فصنيع البخاري يقتضي تصحيح الوجهين، وإن كانت الرواية عند أبي شريح أصح».

وبكل حال فإن وقوع الخطأ في الأسانيد المشهورة كان بسبب سلوك الجادة، لتعلقه بذهن الرواة، خصوصاً ممن خف ضبطه عن المكثرين، فكيف بالضعفاء إذا رووا عنهم!).

انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير