[معنى لفظة (مقبول) في (تقريب التهذيب)]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[12 - 10 - 05, 04:53 م]ـ
معنى لفظة (مقبول) عند ابن حجر في كتابه (تقريب التهذيب)
بسم الله والحمد لله
لي دراسة وجيزة في مراتب الجرح والتعديل الاثنتي عشرة التي عليها قسم الحافظ ابن حجر رجال (تقريب التهذيب)، كتبتها قبل بضع سنوات، تناولت فيها شروطه في كل مرتبة منها وأحكامه على أحاديثها، فإن هذا ـ على أهميته وشدة الحاجة إليه ـ مما لم يبينه رحمه الله بياناً كافياً شافياً، لا في كتابه هذا، ولا في غيره من كتبه – بحسب علمي -؛ وهو مما لا يستغني عن معرفته الذين يرومون الانتفاع بـ (التقريب) من أهل العلم بالحديث والبحثِ فيه، سواء كانوا من ذوي الاجتهاد والتحقيق أو من غيرهم، وقد كثر اختلاف الناس بعد ابن حجر في معاني وشروط كثير من تلك المراتب.
ولقد عرضت في تلك الدراسة أوجه ذلك الاختلاف مشفوعة بمحاولة ترجيح ما يشهد له الدليل.
واستللت هنا للملتقى ما يتعلق بمرتبة (المقبول) فقط، وهذا كلامي عليها.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى عند بيان المراتب المذكورة:
(فأولها: الصحابة؛ فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية: من أٌكد مدحه، إما بأفعل، كأوثق الناس؛ أو بتكرير الصفة، لفظاً، كثقة ثقة، أو معنى، كثقة حافظ.
الثالثة: من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثبت، أو عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس.
الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً، وإليه الإشارة بـ (صدوق سيء الحفظ) أو (صدوق يهم أو له أوهام أو يخطئ أو تغير بأخرة)، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم؛ مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول) حيث يتابع، وإلا فلين الحديث) ---إلى آخر كلامه في بيان المراتب؛ ودعنا نكتفي منه بهذا القدر، فإننا قد بلغْنا المرادَ شرحُه؛ فأقول:
الكلام على هذه المرتبة السادسة من وجوه:
الوجه الأول
استعمل ابن حجر في هذه المرتبة كلمة واحدة هي كلمة (مقبول)، ولكنه استعملها بمعنى خالف فيه الجمهور، فهو يريد بها أن من قالها فيه فحديثه مقبول عند المتابعة ومردود غير مقبول عند الانفراد، وهم يريدون بها ـ كما هو معلوم ـ القبول عند الانفراد فضلاً عن المتابعة، ولكن هذا اصطلاح له قد بين مراده به فلا محذور فيه، ولا مشاحة في اصطلاح لا محذور فيه.
حكم أحاديث هذه المرتبة واضح في الجملة، فإنها قطعاً في مرتبة فوق مرتبة المتروك كما صرح ابن حجر نفسه (1)، ودون مرتبة الصدوق السيء الحفظ، كما يدل عليه تسلسل المراتب؛ إذ رجال السادسة دون رجال الخامسة بلا شك.
وقد صرح بذلك الحكم ابن حجر نفسه، وهو القبول، بشرط أن يتابع الراوي أي من قبل من هو مثله أو فوقه، وإلا فلا (2).
وواضح أن معنى القبول هو الاحتجاج، فمن الغريب ما زعمه الدكتور وليد العاني رحمه الله من أن ابن حجر يحتج بما انفرد به المقبول دون اشتراط متابعة، فقد قال في كتابه (منهج دراسة الأسانيد) (ص58 وما بعدها): «إن المقبول ليس مرتبة من مراتب الصحة عند ابن حجر، كما أنها ليست من مراتب الضعف، لكنها مرتبة من مراتب الحسن».
ثم استدل بأدلة يعلم من تأملها ضعفها، أو يظهر له خروجها عن محل النزاع (3).
تذييل على الوجه الأول: استفسر محمد عوامة في مقدمته على (التقريب) (ص28) فقال: «متى نقول عن هذا: مقبول، وعن ذاك: لين الحديث؟ إن كان قولنا بناءً على اطلاعنا فما كل من نظر في التقريب عنده أهلية الاطلاع على الطرق وتتبعها.
وإن قال قائل: إن المصنف قد كفانا مؤونة ذلك، فحكم على من له متابع بالقبول، وعلى من لا متابع له باللين، قلنا: إن هذا حكم فرضي متعذر، ولا سيما إن لاحظنا أن للراوي أكثر من حديث، واستقراء أحاديث كل راو وتتبعها كلها ثم الفحص التام عن متابع لكل حديث منها، فإنه أمر متعذر جداً؛ ويزداد الأمر تعذراً وإشكالاً حين ملاحظة وجود متابع على بعض الأحاديث، وعدم وجود متابع على بعضها الآخر، فكيف تكون عبارة المصنف حينئذٍ في حق هذا الراوي؟!».
¥