تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تصحيح الأحاديث وتحسينها بالسكوت عليها]

ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[12 - 04 - 05, 08:13 ص]ـ

إن من يطالع كتب التخريج والمصطلح يلاحظ استعمالهم لكلمة: ((سكت عليه فلان فهو صحيح عنده، أو صالح عنده))، وبناء على ذلك يأتي من جاء بعدهم ويذكر أن العالم الفلاني قد صحح الحديث بناء على سكوته عليه، فهل نعتمد هذا التصحيح أم نكون منه على حذر، ولا نعتمده إلا بعد دراسة وتمحيصٍ؟

إنَّ أشهر من اتبع هذا المنهج هو الإمام أبو داود السِّجستاني، صاحب السنن المشهور، حيث قال في رسالته إلى أهل مكة (ص72) - وهي في بيان منهجه في السنن -: ((وما لم أذكر في شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض))، وممن اشتهر بهذا الأسلوب أيضاً الإمام عبد الحق الإشبيلي في مقدمة كتابه ((الأحكام الوسطى)) حيث ذكر أن ما سكت عنه فهو صحيح.

في البداية أريد أن اقرر أنَّ غالب الأحكام العامة تنقصها الدقة، وبعد الاستقراء يتبين لنا عدم صواب تعميم الأحكام، باستثناء من يسلك منهجاً محدداً يسير عليه، وغالب أحكامه تتوافق مع هذا المنهج، ولا يُظهر الاستقراء فجوة واسعة بين ما شرطه هذا العَلم على نفسه، وما استنتجناه من خلال البحث والاستقصاء، كصنيع صاحبي الصحيحين البخاري ومسلم، ولهذا فلا حرج بعد ذلك من إطلاق اسم الصحيح على كل حديث عندهما على طريق الإجمال.

أما من جاء بعدهما فحتى لو ذكر أنَّه لا يورد في كتابه إلا ما صح فلا نقبل كلامه في كل ما ذكره في كتابه، بل لا بد من دراسة أحاديثه والحكم عليه بعد ذلك، كتصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في مستدركه، إذ إننا عرفنا أن شروطهم تقصر عن شروط الصحيح الذي صححه البخاري ومسلم، فإذا كان الأمر هكذا فيمن سمى كتابه بالصحيح، فالأمر أبين وأوضح فيمن سكت عن حديث وقال عنه صحيح أو صالح، بالرغم من أنه يصحح ويضعف صراحةً.

ولهذا فقد انتقد العلماء هذا الصنيع ممن ذكر ذلك، وبخاصة صنيع أبي داود في سننه، وكلمته التي ذكرها في رسالته، قال السخاوي في ((فتح المغيث)) (1/ 79): ((وبالجملة فالمسكوت عنه – أي عند أبي داود – اقسام؛ منه ما هو في الصحيحين، أو على شرط الصحة، أو حسن لذاته، أو مع الاعتضاد، وهما كثير في كتابه ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه)).

وقد فصل الحافظ ابن حجر تفصيلاً طويلاً دقيقاً في كلمة أبي داود هذه وفي شرطه، وقال في كتابه ((النكت على ابن الصلاح)) (1/ 435 – 444): ومن هنا تظهر لك طريقة من يحتج بكل ما سكت عنه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح، وغيرهم.، فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع يعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه؟ لا سيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه، فإنَّه ينحط إلى قبيل المنكر.

وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كالحارث بن دحية، وصدقة الدقيقي، وعمرو بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، وأبي جناب الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين. وكذلك ما فيه الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أُبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود، لأنَّ سكوته تارة يكون اكتفاءً بما تقدَّم من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهولٍ منه، وتارة يكون لظهور شدة ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه ...... إلى أن قال: والصواب عدم الاحتجاج على مجرد سكوته لما وصفنا من أنَّه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدمها على القياس)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير