تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التفرد والمخالفة]

ـ[عبد المجيد]ــــــــ[27 - 04 - 05, 07:21 م]ـ

إخواني الأكارم:

أريد أن آخذ رأيكم حول مسألة من سائل التفرد ذكرها بعض الباحثين، فأرجو ممن كان له رأي أو تعقيب أو استدراك ألا يبخل علينا به وأن يتحفنا به والأجر على الله.

يقول الباحث وهو يتكلم عن مسألة التفرد في الرواية والمخالفة:

الاعتبار الرابع: من حيث وجود المخالفة في التفرد أو عدم وجودهاهذا جانب مهم في قضية التفرد، وهو من أدق مباحثه وأعسره، حيث تكثر فيه الآراء وتختلف فيه وجهات النظر، ويبقى فصل الخلاف والجزم أمراً بعيد المنال.

وسبب الإشكال هو في تحديد حقيقة المخالفة وماهيتها وزاوية النظر إليها.

وبداية أقول: سبق أن قسمنا التفرد إلى تفرد بأصل الحديث وتفرد بجزئه. وقلنا إن التفرد بالأصل أن لا يشارك الراوي غيرَه في الرواية بل يرويه وحده، وينفرد به سنداً ومتناً، دون أي متابعة أو شاهد. وقلنا إن التفرد بالجزء: هو ما تعددت رواياته وطرقه لكن يأتي أحد الرواة بشيء في سنده أو متنه لم يأت به غيره من الرواة.

والمتبادر إلى الذهن؛ أن المخالفة في الرواية إنما تكون في النوع الثاني، ولا مدخل لها في الأول، إذ التفرد فيه مطلق فكيف تقع المخالفة أو تُتَصور؟ ومن الذي سيخالِف إذا كان هو المتفرد به سنداً ومتناً؟

وفي الواقع إن المخالفة - في مفهوم الحفاظ المتقدمين - تشمل كلا النوعين السالفين، ويمكن أن تقع فيهما، وذلك إذا فهمنا منهج عمل هؤلاء النقاد، وآلية مقارنة الروايات والأسانيد، والنظر الدقيق في حال الراوي والمروي. ويمكن لنا أن نقسم المخالفة إلى قسمين:

الأول: مخالفة واقعة في التفرد المطلق:

أن يكون التفرد عن إمام حافظ، مشهور الرواية، كثير الأصحاب والتلاميذ، حديثه معروف ومحفوظ عند أصحابه وثقات تلامذته، فينفرد بالرواية عن هذا الإمام راوٍ ليس هو من أوثق أصحابه، ولا يعد من الطبقة الأولى من تلامذته الذين لزومه، مدة طويلة حتى أتقنوا حديثه وضبطوه، ولم يعزب عنهم من حديثه في الغالب شيء.

فعندما يروي هذا الراوي – وإن كان ثقة – عن هذا الإمام وينفرد بشيء لم يروه غيره، ولم يعرفه خواص هذا الإمام وكبار أصحابه، فإن المتقدمين من المحدثين والنقاد منهم يعدون هذا التفرد بحد ذاته مخالفة، وخروجاً عما عُرف وشهر من حديث الإمام.

والمخالفة هنا ليست بمعنى المصادمة والمضادة لرواية غيره، وإنما هي غرابة يستنكرها المحدثون، وخروج عما عرفه ورواه جلة أصحاب ذلك الإمام وتلامذته، لا يقبله النقاد ولا يستسيغونه.

يقول الإمام مسلم رحمه الله في مبيناً هذا المنهج وموضحاً له: «فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِىِّ فِى جَلاَلَتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الاِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِى أَكْثَرِهِ؛ فَيَرْوِى عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِى الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ؛ فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ».

وأيضاً كلام ابن رجب الذي قريب من هذا المعنى حيث يقول: " وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد – وإن لم يرو الثقات خلافه -: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علةً فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه ".

ولنوضح هذا بمثال تطبيقي:

قسم العلماء الرواة عن الإمام قتادة إلى طبقتين: طبقة الحفاظ وطبقة الشيوخ، فالحفاظ من أصحاب قتادة هم: شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي، هؤلاء الطبقة الأولى.

وأما الطبقة الثانية وهم الشيوخ من أصحابه: فمثل حماد بن سلمة وهمام بن يحيى العوذي وأبان بن يزيد والأوزاعي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير