[الضبط وخوارمه]
ـ[أم عبدالله بنت محمد]ــــــــ[06 - 06 - 05, 12:30 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا بحث مختصر في الضبط وخوارمة، حاولت فيه الجمع بين القواعد التي ذكرها أهل العلم وتطبيقاتها من خلال كتب الرجال والعلل ومصطلح الحديث، سائلة الله عزوجل التوفيق والتسديد.
تعريف الضبط:
لغة: ضَبْطُ الشيء حفظه بالحزم، والرجل ضابطٌ أي حازم ().
اصطلاحاً: هوإتقان ما يرويه الراوي بأن يكون متيقظاً لما يروي، غير مغفل، حافظاً لروايته إن روى من حفظه، ضابطاً لكتابه إن روى من الكتاب، عالماً بمعنى ما يرويه، وبما يحيل المعنى عن المراد إن روى بالمعنى ().
ويخرج عنه من ليس ضابط، وهو من كثرت مخالفته لرواية الثقات المتقنين، وخرج عنه أيضاً من ليس بضابط ولكنه لم يبعد عن درجة الضابط فإنه إذا روى حديثاً كان حسناً ولم يكن صحيحاً ().
أقسام الضبط:
أولاً: ضبط صدر: وهو أن يكون الراوي حافظاً مثبتاً لحديثه لم يطرأعليه ما يقدح في حفظه، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء مع علمه بما يحيل المعاني إن روى بالمعنى.
ثانياً: ضبط كتاب: وهو أن يصون كتابه عن تطرق الخلل والتغييرإليه من حين سمع فيه وصححه، إلى أن يؤدي منه ().
مراتب الضبط:
من خلال النظر في تعريفات الحديث الصحيح والحسن والضعيف يتبين أن الضبط على ثلاث مراتب طرفان ووسط، فبين تام الضبط، وسيئه، يقع خفيف الضبط.
طرق معرفة الضبط:
1/ يُعرف بموافقة الثقات المتقنين الضابطين، إذا اعتبر حديثه بحديثهم - ولو من حيث المعنى - أو موافقته في الأغلب، فإن كثرت مخالفته لهم، وندرت الموافقة، اختل ضبطه ولم يحتج بحديثه ().
وفي الواقع إن الاعتماد على هذا المنهج أمر طبعي ومنطقي، ذلك لأن الرواية هي في الحقيقة شهادة الراوي عما يرويه، ولذلك كثيراً ما بحث الأصوليون وعلماء المصطلح فيما بين الشهادات والروايات من اتفاق واختلاف ().
فمنهج المعارضة بين الروايات المختلفة بدأ في عهد مبكر جداً ولعل أول نقل يثبت هذا المنهج وصلنا من عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما طلب من المغيرة أن يأتي بشاهد يشهد معه في ميراث الجدة ().
لكن إذا كان للراوي أصل كتاب صحيح وقد التزم بالأداء منه دون الاعتماد على حفظه فقد قُبلت روايته ().
قال الإمام الشافعي: (من كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب لم نقبل حديثه) ().
2/ امتحان الراوي () بأساليب متنوعة منها:
أن تقرأ عليه أحاديث تُدخل ضمن رواياته ليُنظر أيفطن لها أم يتلقنها؟، كما فعل يحيى ابن معين في امتحانه للفضل بن دكين ().
قلب الأسانيد بتركيبها على غير متونها، كما فعل محدثو بغداد في اختبارهم لحفظ البخاري ().
وهو محل خلاف بين أهل العلم، فمنعته طائفة منهم يحيى بن سعيد فكان يقول: (لا أستحله) ().
وأجازه آخرون منهم شعبة بن الحجاج فقد كان يمتحن بعض الرواة بقصد اختبار ضبطهم،
فإن أطاعه الراوي على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط ().
وعُلل المنع من ذلك لما يترتب عليه من تغليط المُمْتحَن فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظناً منه أنه صواب.
ورجح الحفظ ابن حجر جواز الامتحان بأن مصلحته أكثر من مفسدته () لمافيها من معرفة مرتبة الراوي في الضبط بأسرع وقت لكن بشرط أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة ().
مشروعية اعتبار الضبط في الرواة:
قوله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه فرب مبلَّغ أحفظ له من سامع) وفي بعض رواياته ( ... سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع) ().
فقوله صلى الله عليه وسلم (فحفظه) نص على الحفظ وهو يشمل الحفظ في الصدر والكتاب، وقوله: (فبلغه كما سمع) نص على اعتبار الضبط عند الأداء، وورود هذا الحديث بألفاظ متنوعة تدل على أنه قد رُوي بالمعنى ().
الخطأ الذي ترد به الرواية:
رواة الحديث كغيرهم من البشر يطرأ عليهم الخطأ والنسيان في باب الرواية، فما سلم من
ذلك أحد من الحفاظ ().
قال سفيان الثوري: (ليس يكاد يفلت من الغلط أحد) ().
¥