تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفرق بين خصائص علماء العلل والتفصيل وخصائص علماء الجمل والتأصيل]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[17 - 11 - 05, 08:33 ص]ـ

[الفرق بين خصائص علماء العلل والتفصيل وخصائص علماء الجمل والتأصيل]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد؛ وبعد.

فإن لكل علم رجاله الذين لا يحسنه سواهم ولا يصح أن يستند فيه إلى غيرهم؛ ومن هذه العلوم علم الحديث؛ فهو أولى العلوم بالتسليم لأهله؛ لأنه علم لا يشبهه في نقله ولا نقده علم آخر غيره.

أما نقله فمبني على الحفظ الواسع العجيب والضبط التام المتقن، والأمانة المتكاملة والورع الرفيعِ مرتبتُه؛ ومن يقدر على مثل ما قدر عليه حفاظ الحديث؟!.

وأما نقده فمبني على الاطلاع الواسع والحذق التام والفطنة الكاملة والدقة المتناهية في ملاحظة القرائن واستكشاف ما بين القرائن وما وراء العبارات والإشارات، وأمور أخرى كثيرة.

التفسير وأصوله والفقه وأصوله والنحو وأصوله علوم قد يدرك كثير منها بالفطرة والعقل والتجربة والممارسة؛ وأما الحديث فله شأن آخر، علمَ ذلك من علمه وجهله من جهله.

فإذن لعلم الحديث رجاله كما تقدم، وهم الذين لا ينبغي أن يؤخذ علمه إلا عنهم؛ ولكن لا شك أنهم - بسبب صعوبة هذا العلم وبسبب تفاوت الناس في عقولهم واجتهادهم وقدراتهم - ليسوا على مرتبة واحدة في التمكن وحسن الفهم وقوة النظر ومتانة العلم ودقة الحكم.

وهكذا كان علماء هذا الفن على مراتب لا يعلم قدرها ولا حقيقتها إلا الذي هو بكل شيء عليم.

ونحن ليس علينا أن نعرف مراتبهم على التفصيل الكامل الشامل الدقيق، لأن ذلك ليس بوسعنا؛ بل وليس بوسعنا أن نعرف مراتبهم وتفاصيل أحوالهم في علمهم كما يعرف بعض المدرسين مراتب وخصائص طلبته ولا سيما عندما يتكرر منه اختباره لهم واستكشافه لملكاتهم ومقادير فهمهم وطرائقهم في تعلمهم.

ولكن علينا ألا نقصر في معرفة ما يتهيأ لنا – أو ما نقدر عليه – من تفاصيل تتعلق بمراتبهم ولو على الإجمال، وبمناهجهم ولو على التقريب.

فإذا جاء الباحث المطلع واستقرأ طرائق علماء الحديث في نقدهم واستكشف مقاماتهم في فنهم، وجد أنهم كما ينقسمون إلى مراتب كثيرة متفاوتة، فإنهم ينقسمون في الجملة إلى مرتبتين إجماليتين وفرقتين رئيستين وطائفتين كبيرتين.

أما أولى الطائفتين فجماعة من الأئمة الذين كانوا عجباً في فنهم، تمكن مذهل، وحفظ تام وذكاء يتوقد ومعرفة بالتفاصيل تظن إذا سمعت منهم بعضها أنهم لا يكاد يخفى عليهم من مهمات أصول وفروع هذا العلم شيء، وما ظنك من الحقيقة ببعيد.

وأما الطائفة الثانية فعلماء أفاضل، ولكنهم دون أولئك بمراتب؛ وليس ذلك بعيب فيهم فقد جعل الله لكل شيء قدراً؛ ولكن العيب أن لا يعرف المرء قدر نفسه وعلمه، ولا يعرف لمن هو فوقه في العلم منزلته؛ وقد وقع شيء من ذلك، من قبل بعض المتأخرين أو المتعاصرين، وأكثره كان عن حسن قصد، ولكن ما كان ينبغي أن يكون؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى ما هو أخطر بكثير، فهذه الصناعة الحديثية الشريفة الموقرة الجليلة الخطيرة طمع فيها – لأسباب كثيرة منها ما تقدم من تصرفات أدت إلى تهوين شأن هذا العلم بتهوين شأن أئمته – أقول طمع فيها كثير ممن ليسوا في العير ولا النفير، من طالب دراسة جامعية يقرأ سنتين ما شمَّ قبلها لعلم الحديث رائحةً، فيكتب رسالة يحكم فيها على مئات الأحاديث التي لو عرضت على أحمد بن حنبل لجمع لها – أو لكثير منها – علي بن المديني وابن معين وأضرابهما لو تيسر له ذلك، ومن رجل جاهل حصّل مخطوطة نفيسة فأبى إلا أن يقوم هو بنشرها وتحقيقها، وما درى أن الذي قام به إنما هو تزويرها وإفسادها.

فانتهى الحال إلى ما ترون من المآل، ووقع في هذا العلم الشريف ذلكم الإخلال.

فحقَّ لأهل العلم أن يتمثلوا*****ببيت قديم شاع في كل مجلسِ

لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كُلاها وحتى سامها كل مفلسِ

وحقَّ لهم أن يتمثلوا بقول من قال:

لما تبدلت المنازل أوجهاً ×××××× غير الذين عهدتُ من علمائها

ورأيتها محفوفة بسوى الألى ×× ×× كانوا ولاة صدورها وفِنائها

أنشدت بيتاً سائراً متقدماً ××××× والعين قد شرقت بجاري مائها

أما الخيام فإنها كخيامهم ×××××× وأرى نساء الحي غير نسائها

...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير