[أهم ألفاظ ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[03 - 10 - 05, 11:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله.
هذا كلام كنت قد كتبته في بعض مسوداتي على صيغة مناقشة مع المحققين الفاضلين الشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار عواد البغدادي في بعض أصولهما في (تحرير التقريب)؛ وأنا أنقله هنا رجاء أن يجد فيه بعض من يقف عليه بعض ما يبتغيه، ومن الله التوفيق إلى العدل والسداد.
قال المحققان الفاضلان: (1/ 42): «اما ابن ابي حاتم فجعل الرواة أربعة اصناف 0000»، فذكراها ثم قالا: «فهذا اصطلاح خاص به، ويفهم من لفظة صدوق عنده أنها لا تعني الحديث الحسن بل دونه، وهو الذي يصلح للمتابعات والشواهد».
أقول: إن كانا فهما هذا من قوله (فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه) ومن كونه لم يصرح هنا بأن هذا ممن يحتج به كما صرح في المرتبة الأولى، فإن هذا الفهم فيه نظر من وجوه:
الاول: أنه يَرِد عليه أن ابن أبي حاتم لم يذكر مرتبة وسطى بين مرتبتي الثقة والصدوق، فعلى فرض ان معنى الصدوق عنده هو ما ذكراه، يكون قد أغفل مرتبة الحديث الحسن، وهذا لا يصح لأن السياق يأباه.
أو يكون قد أدرجها في مرتبة الصحيح وجعلها قسماً منها لا قسيما لها، وهذا خلاف الظاهر الذي عليه الجمهور، ثم انه لا دليل عليه وعبارته تأباه أيضاً.
أو يكون قد اختار للتعبير عن صاحب تلك المرتبة لفظة (لا بأس به) أو لفظة (محله الصدق) دون لفظة (صدوق)؛ وهذا غير صحيح كسابقيه لأنه قد ساوى بين هذه الألفاظ الثلاث، فهي إن لم تكن متساوية في معناها عنده فإنه لن يكون بينها عنده من الفروق ما يجعلها متباينة في مراتبها، بل لا بد أن تكون على الأقل متقاربة في معانيها مشتركة في مرتبتها وحكمها.
الثاني: انه يبعد أن يخالف ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة وسائر شيوخه وشيوخهما وجمهور المحدثين في معنى هذا المصطلح، ولا سيما أنه لم يبين ذلك ولا صرح به مع شدة الحاجة إلى البيان والتصريح، إذ أنه - كما هو معروف - جمع كتاباً في الجرح والتعديل عظيماً أحصى فيه ما وقف عليه من أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرواة، وقد تكررت كلمة (صدوق) في عباراتهم مئات المرات وهو في أكثر ذلك مقر لها غير مستدرك عليهم فيها، واستعملها هو أيضاً قولاً له في مرات كثيرة جداً بطريقة تشعر بأن معناها عنده هو معناها عندهم بعينه.
الثالث: أن ابن أبي حاتم هنا في هذا التقسيم ناقل لمعاني المصطلحات عند المحدثين لا عنده، وإليك نص عبارته ـ وهي في الجرح والتعديل (1/ 1/37) ـ: «ووجدت الالفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى:
وإذا قيل للواحد انه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه.
وإذا قيل له انه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.
وإذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه، إلا انه دون الثانية.
وإذا قيل صالح الحديث فانه يكتب حديثه للاعتبار.
وإذا أجابوا في الرجل بـ (لين الحديث) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً.
وإذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الاولى في كِتبة حديثه الا انه دونه.
وإذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به.
وإذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه، وهي المنزلة الرابعة».
هذا كلامه، وتفسيره أنه جعل المنازل أربع:
الأولى: منزلة الثقات رواة الاحاديث الصحيحة، وذكر من الفاظها (ثقة) و (متقن ثبت).
والثانية: منزلة رواة الاحاديث الحسنة، وذكر من الفاظها (صدوق) و (محله الصدق) و (لا بأس به).
والثالثة: منزلة الرواة الذين يستشهد بهم ولا يحتج بهم.
وهذه المنزلة الثالثة جعلها خمس درجات، فمن اعلاها درجة شيخ، فهي ليست من مراتب الاحتجاج وإن كان ظاهر سياقه قد يشعر بأنها منها؛ ويليها صالح الحديث ثم لين الحديث ثم ليس بالقوي ثم ضعيف الحديث.
والمنزلة الرابعة: منزلة متروك الحديث وذاهب الحديث وكذاب.
ومقصوده بالنظر الذي ذكره في مرتبة الصدوق هو النظر الذي يتبين به صلاحية الحديث للاحتجاج به من عدمها، وهذا بخلاف مقصوده به في مرتبة لين الحديث، فإنه هناك يريد النظر المميز بين أهلية الحديث للاستشهاد به من عدمها؛ وإنما لم يقل في حديث الثقة والمتقن الثبت انه ينظر فيه وان كان قد يعتريه الوهم، لأن الوهم في حديث هؤلاء نادر ولا يكاد يطلع عليه الا علماء العلل والمتبحرون في علم الحديث. وهذا الذي بينته هنا تنبيه مهم فاحرص عليه.
الرابع: أن صاحبي تحرير التقريب لم يسبقهما إلى هذا القول الغريب الذي قالاه هنا - فيما اعلم - احد من علماء الحديث، بل هم سبقوهما إلى خلافه كما يعلم من كتب المصطلح وكتب الجرح والتعديل وكتب التخريج.
الخامس: انه يبعد أن يكون معنى كلمة (صدوق) عند ابن ابي حاتم هو الضعف الذي ينجبر بالمتابعات والشواهد ثم يعود فيستعملها في ثقات شيوخه بمعنى ثقة مطلقاً كما جاء في تنبيهات صاحبي التحرير في مواضع عديدة من كتابهما منها (2/ 65)، فان هذا لو وقع من ابن ابي حاتم لكان كالتناقض منه، وهذا ما لا يليق به ولا يظن وقوعه من مثله ولا سيما أنه ليس مضطراً إليه، ولو انه وقع لبينه ولا بد.
تكميل: وكتب الدكتور وليد العاني رحمه الله في كتابه (منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها) (ص154 - 166) مطلبا في معنى الصدوق عند ابن ابي حاتم الرازي خالف فيه ما ذهب إليه صاحبا تحرير التقريب إذ انتهى في ختامه إلى هذا القول:
(وبعد هذا نخلص إلى نتيجة هذا المبحث، وهو أن الصدوق عند ابن ابي حاتم ليس له حكم واحد، بل هو على مراتب، فمنهم الصدوق الضابط الذي يصحح حديثه، ومنهم الصدوق الذي يهم والغالب عليه الصواب، فهذا يحسن حديثه، ومنهم الصدوق الذي يغلب خطؤه على صوابه، وهذا منه ما يحسن بالمتابع، ومنه ما يلتحق بالضعيف، والله اعلم).
كذا قال، فلينظر فيه.
والحمد لله رب العالمين.