تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المتواتر هو ليس اختراع العلماء المسلمين! بل ...]

ـ[حافظ عبدالمنان]ــــــــ[05 - 10 - 05, 10:31 م]ـ

لقد ذكر العلماء الأقدمون في كتبهم قضية التواتر والآحاد، ولكن اختلفت كلمتهم، وتشتت آرائهم، واضطربت خيلهم، وتباينت مذاهبهم في تعريفه وشروطه إلى حد كبير جدا؛ فأقوالهم مردودة لا تنهض، واهية الدليل وظاهر البطلان، لا تقوم عليها حجة.

وأما المتأخرون فإنهم قد قلدوهم فيه تقليدا محضاً دون سواه.

فقد أنعم الله ومنّ على شيخنا الفاضل حافظ ثناء الله الزاهدي حيث قام بالفحص عن دخلته، والتنقيب عن سره، فشحذ له عزيمته وشمره على ساعد الجد.

فنهض بتحقيق الكتاب (نور الأنوار لملا جيون الحنفي) وتعليقه وناقشه مناقشةً علميا. فقال:


التقسيم (الأول في كيفية الاتصال بنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كيف يتصل بنا هذا الحديث منه بطريق التواتر (1) أو غيره .................................................. ..................
ــــــــــــــــــــ

1 - قلت: وهناك عدة أمور ذات أهمية بالغة تتعلق بتقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد يجب التنبيه عليها بشيء من التفصيل وهي:

أولًا: إن المتواتر بتعاريفه وأحكامه وشرائطه المختلفة والاختلافية المذكورة في كتب الأصوليين وغيرهم ليس شيء مما اخترعه أو اكتشفه أو أبدعه العلماء المسلمون أولًا وأصالةً، ولا أن هذا اللفظ بمتعلقاته الاصطلاحية بعضها أو كلها كان موجوداً متعارفاً في عهد النبوة والصحابة والتابعين.
بل أصل هذه الفكرة ـ أي فكرة تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد ـ من أفكار الكتب الفلسفية، ولم ينتشر ذكرها في الأبحاث الإسلامية والمواضيع الدينية إلا بعد أن ترجمت تلك الكتب باعتناء الخليفة العباسي عبد الله بن هارون الرشيد المأمون الذي توفي سنة 218 هـ، وبتحريضٍ ممن حوله من الأطباء المسيحيين والعلماء الجهميين وأمثالهم.
وهذه الكتب كانت مشتملة على أربعة أنواع من الفلسفة:
الرياضيات: وهي الهندسة، والأسطرلاب، وخواص الأعداد، والموسيقا.
الطبيعيات: وهي علم النبات والمعادن والحيوان والكون والجسم والصورة والزمان والمكان والحركة وغيرها.
الإلهيات: وهي البحث في واجب الوجود، والملائكة، والنفسيات وغيرها.
المنطقيات: وهي خمسة: صناعة الشعر، والخطب، والجدل، والبرهان، والمغالطة، وتسمى عندهم بالصناعات الخمس.
ثم البرهان ـ وهو القياس البرهاني عندهم ـ يقوم على ثلاثة عشر مادةً، وإحدى هذه المواد هي المتواترات كما هو موضح في شفاء المنطق لابن سينا قسم البرهان (ص/67)، والشمسية في المنطق مع شروحها (ص/307 - 308) وايساغوجي (ص/74) والمنطق للشيعي محمد رضا المظفر (ص/264) ومحك النظر لابن حزم (ص/234) ومقاصد الفلاسفة للغزالي (ص/49) ولقطة العجلان للزركشي (ص/113) وغيرها من مصادر المنطق والفلسفة.

ثانياً: إن العلماء المسلمين حينما أخذوا هذه الفكرة من تلك الكتب واستحسنوها لظاهر جمالها حاول بعضهم تطبيقها على ما عند المحدثين من نظام الأخبار وطريقة الروايات تطويراً لأسلوبها وتعزيزاً لبنيتها وهيئتها العلمية على حسب زعمهم كعامة الأصوليين من أهل الرأي والمتكلمين.
وبعضهم كالطوائف المبتدعة تخلصاً عما لدى المحدثين من منهج النقد والتدقيق للمتون والأسانيد , وترويجاً لما هم عليه من البدع والخرافات , بحجة أن الأخبار متواتر وآحاد , وما يرويه المحدثون ليس فيها شيء من المتواتر , والآحاد ليست بحجة في كذا وكذا وكذا.
ثم هؤلاء وهؤلاء على اختلاف نياتهم وتفرق عقائدهم حينما شرحوا تفاصيله وبينوا ماهيته وقعوا في نفس الفتنة العلمية التي وقع فيها الفلاسفة الأقدمون , وهي التقسيم الأوَّلي للأخبار إلى تواتر وآحاد فقط , ثم التمييز بينهما بفارق أساسي وحيد وهو القطع الحاصل بالكثرة العوامية المجهولة كماً وكيفاً في الأول , وتعليق الظن على الثاني؛ فاختلفوا لأجله اختلافاً شديداً في وصف شامل وتعبير صحيح للمتواتر ووضع شرائطه المفضية إلى اليقين إفضاءاً حقيقياً , وتقرير ضوابطه المحكمة والصالحة للاعتماد عليها في تحقيق معنوية هذا المصطلح وما يتبعه من الأحكام.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير