تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[معنى قول ابن معين في الراوي (لا بأس به)]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[05 - 10 - 05, 10:40 ص]ـ

ادعى بعض المعاصرين أن ابن معين إذا قال في الراوي (لا بأس به) أو (ليس به بأس) فهو ثقة عنده؛ وتبين لي بعد دراسة المسألة أن الحقيقة غير ذلك.

أما الذي ادعى ذلك فالمحققان البارعان، الشيخ شعيب الأرنؤوط، والدكتور بشار عواد معروف؛ فقد قالا في (تحرير التقريب) (1/ 41): (وقوله [يريدان ابن معين] في الراوي: لا بأس به أو ليس به بأس فهو ثقة عنده).

وقالا فيه أيضاً (1/ 41): (وقوله [يريدان ابن معين] في الراوي: لا بأس به، أو ليس به بأس، فهو ثقة عنده).

وقالا (2/ 68): (إن لا بأس به من رسم ابن معين في الثقات).

وقالا (2/ 191) ان (ليس به بأس) عبارة توثيقية عند ابن معين.

أقول: هذا الإطلاق ينبغي أن يعاد النظر فيه.

وأصل هذه الدعوى كلمة لابن معين نفسه أخرجها عنه الخطيب في (الكفاية) (ص22) وابن شاهين في (الضعفاء) (ص42) من طريق أحمد بن أبي خيثمة قال: (قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس وفلان ضعيف؟ قال: إذا قلت لك: ليس به بأس، فهو ثقة، وإذا قلت لك: هو ضعيف، فليس هو بثقة، لا يكتب حديثه). انتهى.

وهذا الجواب يحتمل ثلاثة معان:

الأول منها: ما ذكراه وسبقهما إليه بعض المتأخرين ومنهم ابن حجر في مقدمة (الفتح) (ص633) في ترجمة يونس بن أبي الفرات؛ ولكن عمل ابن حجر في التقريب وغيره جرى في الغالب على خلاف هذا المذهب، وفاقاً لمذهب الجمهور.

والثاني: أن لفظة (ليس به بأس) لها عند ابن معين رتبة متوسطة بين رتبتي لفظة (ثقة) ولفظة (لا بأس به) عند الجمهور.

وهذا التفسير لعله معنى كلام العراقي إذ قال في (شرح ألفيته) (2/ 7 - 8):

(لم يقل ابن معين إن قولي (ليس به بأس) كقولي (ثقة)، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين؛ إنما قال إن من قال فيه هذا فهو ثقة؛ وللثقة مراتب، فالتعبير عنه بقولهم (ثقة) أرفع من التعبير عنه بأنه (لا بأس به)، وإن اشتركا في مطلق الثقة، والله اعلم.

وفي كلام دحيم ما يوافق كلام ابن معين، فإن أبا زرعة الدمشقي قال: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم [هو دحيم]: ما تقول في علي بن حوشب الفزاري؟ قال: لا بأس به؛ قال قلت: ولِم لا تقول (ثقة) ولا نعلم إلا خيراً؟ قال: قد قلت لك إنه ثقة). انتهى.

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (1/ 368) عقب كلام في هذه النقطة: (وأجاب الشارح [يعني العراقي] أيضاً بما حاصله أن ابن معين لم يصرح بالتسوية بينهما، بل أشركهما في مطلق الثقة، وذلك لا يمنع ما تقدم، وهو حسن، وكذا أيده غيره بأنهم قد يطلقون الوصف بالثقة على من كان مقبولاً ولو لم يكن ضابطاً، فقول ابن معين هنا يتمشى عليه).

وانظر (قواعد التهانوي) (ص250 - 251).

والثالث: أن (ليس به بأس) تعني عند ابن معين إذا قالها في الراوي ما يعنيه بها سائر النقاد، واختيار هذا الوجه لا يقتضي أكثر من حمل جواب ابن معين هذا لأحمد بن أبي خيثمة على غير ظاهره المتبادر.

وما ذلك بغريب ولا ممتنع، فابن أبي خيثمة يَظْهَر أنه ما كان يعرف حق المعرفة معنى هاتين اللفظتين عند ابن معين، أو ما كان يعرف حق المعرفة الفرقَ بينهما عند ابن معين، فوجه إليه هذا السؤال، فاستعمل ابن معين في جوابه كلمة معروفة المعنى عند السائل وهي كلمة ثقة، ومراده بها في هذا المقام القبول والاحتجاج، وتوسع في استعمال هذه الكلمة، وسوغ ذلك التوسع عنده أمور:

منها أن ذلك يقع من المحدثين أحياناً كما ورد في كلام السخاوي المنقول قبل قليل.

ومنها ما ذكرته من حاجة السائل إلى كلمة واضحة المعنى، بسبب التباس الأمر عليه أو غموضه.

ومنها أن السائل سأل عنها مقرونة بلفظة ضعيف، وهذا القرْن له شأن؛ وللإمام الباجي والعلامة المعلمي كلام مهم في مراعاة النقاد أحوال السائلين وصفاتهم ومقاصدهم وهيئة السؤال والمجلس وما إلى ذلك مما يكون له أثر في جواب المسؤول للسائل؛ وقد نقلت كلامهما في غير هذا الموضع، في بعض أبحاثي.

وهذا المعنى الأخير هو المختار لأمور:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير