نفيسة: نصُّ البخاريِّ في حالِ من سكت عنهم في تاريخه الكبير
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[18 - 09 - 05, 08:30 م]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا كلام جيد وقفت عليه في كتاب الشيخ د. خالد بن منصور الدريس: (الحديث الحسن لذاته ولغيره .. دراسة استقرائية نقدية)، وأنقله هنا بطوله لأهميته، وسأضع الهوامش بين معقوفين:
قال الشيخ خالد الدريس حفظه الله (1/ 406 - 415):
" إذا ترجم البخاري في تاريخه الكبير لراوٍ ولم يذكر فيه جرحًا، فإنه يكون عنده ممن يحتمل حديثُهُ، قال الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي في آخر ترجمة عبد الكريم بن أبي المخارق: «قال الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي: بيّن مسلم جَرحَهُ في صدر كتابه، وأما البخاري فلم يُنبّه من أمره على شيء، فدل أنه عنده على الاحتمال، لأنه قد قال في التاريخ: (كل من لم أبين فيه جُرْحَةً فهو على الاحتمال، وإذا قلت: فيه نظر، فلا يحتمل)» [تهذيب الكمال: 18/ 265]، وفي موضع آخر قال ابن يربوع في عثمان بن عمر التيمي: «هو على أصل البخاري محتمل» [السابق: 19/ 416].
وابن يربوع الإشبيلي الذي نقل هذا النص من كلام البخاري في تاريخه ولد سنة 444هـ، وتوفي سنة 522هـ، وقد قال فيه تلميذه ابن بشكوال: «كان حافظًا للحديث وعلله، عارفًا بأسماء رجاله ونَقَلَتِه، يبصر المعدَّلين منهم والمجرّحين، ضابطًا لما كتبه، ثقةً فيما رواه، وكتب بخطه علمًا كثيرًا، وصحب أبا علي الغساني كثيرًا واختص به وانتفع بصحبته، وكان أبو علي يكرمه ويفضله، ويعرف حقه، ويصفه بالمعرفة والذكاء، وجمع أبو محمد هذا كتبًا حسانًا، منها: كتاب الإقليد في بيان الأسانيد، وكتاب تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطأ، وكتاب لسان البيان عما في كتاب أبي نصر الكلاباذي من الإغفال والنقصان، وكتاب المنهاج في رجال مسلم بن الحجاج، وغير ذلك» [الصلة لابن بشكوال: 1/ 283].
وقال ابن الأبار فيه: «الحافظ المحقق ... وله تواليف مفيدة، وكان ظاهري المذهب» [المعجم لابن الأبار، ص206]، وقال الذهبي: «الأستاذ الحافظ المجوِّد الحجة» [النبلاء: 19/ 578].
وفتشتُ عن مصنفاته في فهارس المخطوطات فلم أقف له على شيء موجود، فيا للأسف والحسرة على ضياع مثلها.
وعلى أية حال، أردت من ذكر كلام أهل العلم في الحافظ ابن يربوع أن أبيّن أنه من أهل الاعتناء الشديد بعلم الجرح والتعديل كما يظهر من كلام تلميذه ابن بشكوال، ومن أسماء مصنفاته التي تدل دلالة واضحة على تخصصه في هذا الشأن، فنقل مثل هذا الحافظ المحقق يعتد به إن شاء الله، لعدم وجود طعن في صحة النقل، وإن كان هذا النص غير موجود في كتاب التاريخ الكبير المطبوع، فإني قرأته بأكمله ولم أقف على هذا النص، ومن هنا أصبح من الملحِّ أن ننظر في بعض القرائن التي تجعل ثبوت ذلك النص ممكنًا وغير مدفوع، فمن ذلك:
1 - من الاحتمالات القوية جدًّا أن يكون ابن يربوع الإشبيلي نقل ذلك النص عن البخاري عن إحدى روايات التاريخ الكبير التي لم تعتمد في النسخة المطبوعة، والأندلسيون يروون كتاب التاريخ الكبير من ثلاثة طرق عن البخاري [فهرسة ابن خير الإشبيلي، ص204، 205]، هي: رواية محمد بن عبد الرحمن بن الفضل الفسوي، ورواية محمد بن سليمان بن فارس الدلال، ورواية محمد بن سهل بن عبد الله المقرئ، والمطبوع اعتمد في طبعه على عدة نسخ [انظر: التاريخ الكبير: 2/ 398 - 400 و 8/ 456 خاتمة الطبع]، ولم يذكر المحققون له إلا رواية محمد بن سهل [انظر: التاريخ الكبير: 1/ 2، 3].
ومما يؤكد اختلاف نسخ التاريخ الكبير ورواياته أنه في المطبوع ما صورته: «عبد الرحمن بن عائش الحميري» [التاريخ الكبير: 5/ 252] فقط، ووجدت البيهقي يذكر بسنده إلى أبي أحمد محمد بن سليمان بن فارس قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: «عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، له حديث واحد إلا أنهم يضطربون فيه» [الأسماء والصفات للبيهقي، ص380]، فهذه الزيادة المهمة وردت في رواية ابن فارس ولم ترد في المطبوع، فإما سقطت من إحدى النسخ، أو من رواية ابن سهل المقرئ، أو يكون البخاري حذفها، ولكن الشاهد أن هناك زيادات وإضافات في روايات أو نسخ
¥