تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رأي في التقوية بكثرة الطرق]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[11 - 10 - 05, 04:12 م]ـ

[رأي في التقوية بكثرة الطرق]

الحمد لله العلي الكبير، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين نبينا الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد.

فإن من طريقة أئمة الحديث وجهابذة علم العلل أنهم يقوون أحياناً حديث الراوي الضعيف إذا ورد من طرق وتدبروا تلك الطرق وفحصوها بثاقب نظرهم وعميق خبرتهم وواسع اطلاعهم وشديد فطنتهم، ثم علموا بذلك أن تلك الطرق ليست راجعة إلى أصل واحد، وليس تعددها ناشئاً عن وهم بعض الضعفاء، وليس فيها ما يمنع من تقوية الحديث بمجموعها، بل فيها ما يقتضي التقوية.

وهذا كما ترى أمر يعجز عنه الناس كل الناس إلا من وهبه الله علماً غاية في السعة والدقة والإتقان، وفطنة نهاية في الحذق والنباهة وقوة الملاحظة.

وهذا الأمر إنما هو في الحقيقة اختصاص علماء العلل؛ فإن لوظيفتهم مجالين ولفروسيتهم ميدانين؛ وكلاهما خروج عن الأصل العام العريض والقاعدة الأولية الواسعة، لقواعد تقتضي ذلك الخروج وقرائن توجبه.

أما أول الميدانين فتضعيف حديث الثقة، لمعرفة أنه واهم فيه.

وأما ثانيهما فتقوية حديث الضعيف لاكتشاف أنه حفظه.

ولكن ما الذي حصل في الأعصر المتأخرة في مرويات الضعفاء؟ أو ما الذي صنعه المتساهلون من المتأخرين فيها؟

الذي حصل هو تساهل في تقوية الحديث الضعيف بمجموع طرقه، وجرأة في الحكم على الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتحال لمقام ومنصب أئمة الحديث وكبار علماء العلل؛ وتكلف في الارتقاء إلى مقام رفيع بعيد.

ولقد كاد الأمر أن يكون سهلاً وأوشك الخطب أن يكون يسيراً، لو كان لهؤلاء ضوابط معلومة وقواعد مقررة، في هذا الباب؛ أعني باب التقوية بكثرة الطرق؛ سواء كانت هذه القواعد والضوابط على طريقة المتأخرين، أو على منهج المتقدين؛ فالمهم أن يكون هناك قواعد تضبط المسألة حتى لو كان في هذه القواعد، على مقتضى طريقة المتقدمين، نظر.

ولكن الغريب أن ترى كثرة من يتجشم عناء هذا الأمر فيقوي بكثرة الطرق بلا قواعد محررة عنده، لا من اجتهاده، ولا من تقليده لغيره؛ أليست هذه جرأة عجيبة أو غفلة غريبة؟!

المطالع لأكثر التخريجات اليوم يقرأ تخريجاً مطولاً للحديث، فيتابع الكاتب في تخريج ذلك الحديث فيراه منضبطاً في أكثر ما يقوله، ولو على طريقة المتأخرين، على الأقل؛ ثم يستمر الأمر على هذه الوتيرة المشتملة على قدر طيب من الانضباط العلمي، إلى أن يصل إلى مقصد الأمر وغايته وثمرته ونهايته، ويدنو من أخطر مرحلة في البحث، وهي مرحلة الحكم على الحديث، فتراه هنا – وهذا موطن الاستغراب – يتحلل من قيوده ويتخلص من ضوابطه، إلا قليلاً مما لا يكاد يذكر، فيقفز ويقول بكل جرأة: فالحديث حسن بمجموع طرقه على أقل أحواله؛ أو يقول: فالحديث صحيح بمجموع طرقه، أو نحو ذلك من عبارات تثبيت الحديث بمجموع أسانيده؛ فلا هو يذكر دليلاً للتقوية ولا هو يحيل إلى قاعدة أو قواعد لهذا الأمر الخطير؛ ولا هو يبين كيف توصل إلى هذا الحكم؟

ترى لو قال بدلاً من عبارة التقوية المذكورة: (فالحديث ضعيف ولا تصلح طرقه المذكورة لتقويته، كما يظهر لمن تدبرها من أهل هذا الفن)، أقول لو قال هذا الكلام وذهب هذا المذهب فهل سيختلف الأمر عند القارئ شيئاً؟

إن القارئ يقرأ في الحالتين حكماً لا يدري كيف تم التوصل إليه.

والآن – وبعد ما تقدم ذكره - إليك بيان الدليل على تساهل كثير من المتأخرين في باب التقوية بكثرة الطرق:

من المعلوم عند المتخصصين بعلم المصطلح أن أكثر أحكام علماء الجرح والتعديل على الرواة كانت مبنية على استقراء أحاديث الراوي، ثم النظر فيها؛ فيوثقونه إذا وجدوا الغالب عليه في أحاديثه موافقة الثقات الذين استقر الحكم عليهم من قَبْلُ بالتوثيق، والذين صاروا كأنهم ميزان لغيرهم من الرواة من مثل هذا الراوي الذي لا تعرف حاله إلا بمثل تلك المقارنة، ولكن ذلك التوثيق لا يقع منهم إلا بشرط أن لا يجدوا في ترجمته أو في كلام النقاد عليه ما قد يدل على قدح في عدالته، فيمنعهم ذلك القدح من توثيقه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير