[أقسام علم الحديث أو تصنيف المكتبة الحديثية]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[14 - 11 - 05, 06:25 م]ـ
حقيقة علم الحديث
أو تصنيف المكتبة الحديثية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا فصل استللته من مقدمات بعض كتبي؛ ومقصود الفصل التعريف الكافي بعلم الحديث وأقسامه وبالمكتبة الحديثية وصنوفها، وبوظائف طالب هذا العلم الشريف وواجباته؛ فأقول، وبالله وحده التوفيق:
إن وظيفة علم الحديث تنقسم في الجملة إلى قسمين:
القسم الأول: حفظ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما يحتمل أن يكون له حكم الرفع أو يحتج به من آثار السلف، وكذلك حفظ ما ذكره العلماء من أصول وفروع في نقد تلك الأخبار ورواتها، ثم نشر ما يحتاجه العلماء والطلاب والناس من ذلك كله؛ وهذا وظيفة قسم الرواية من علم الحديث.
القسم الثاني: نقد تلك المرويات ورواتها، وتحقيق الأحكام الأصلية والفرعية في هذا الفن، وهذا وظيفة قسم الدراية من علم الحديث.
وعلى طالب علم الحديث الذي يروم أن يكون من أهله أن يتمكن من أربعة أبواب منه؛ وذلك هو القدر الأدنى الذي لا بد منه:
الأول: مصطلحات المحدثين.
والثاني: قواعدهم.
والثالث: أنواع كتب الحديث ومحتوياتها ومراتبها وطرائقها وتواريخها وتراجم أصحابها.
والرابع: مناهج المحدثين ومسالكهم وشرائطهم وخصائصهم ولا سيما النقاد منهم.
أما المصطلحات فإنما تطلب معرفة معانيها لأنها دخلت في لغة القوم واستعملت في مؤلفاتهم، فكما لا يمكن لأحد من الناس فهم مقاصد المحدثين بدون معرفة لغتهم الكبرى - أعني العربية - فكذلك يتعذر على العربي فهم كثير من مراداتهم ما لم يكن عالماً بلغتهم الصغرى أعني مصطلحاتهم.
وأما القواعد فعليها ابتناء العلم إذ هي أصله وأساسه وميزانه ومقياسه.
وأما كتب الحديث فهي مادة هذا العلم ولا يكون الدارس داخلاً في جملة طلبة علم الحديث إلا بعد معرفة أهمها وأنفعها وأتقنها وأجمعها وأصوبها وكيفية تصنيفها وسبل الانتفاع بها ووسائل تيسير الرجوع إليها وأنواع العلائق بينها ومقادير تفاوتها في مراتبها وموضوعاتها وشرائطها ومعرفة مظان الخلل فيها والاستدراك عليها.
ويدخل في المكتبة الحديثية كل كتاب مقصوده علم الحديث صِرفاً، وكل كتاب الجانب الحديثي فيه أغلب من الجوانب الأخرى؛ وليس معنى هذا أنه لا يستقيم إدخال الكتب الأخرى التي يغلب عليها غير علم الحديث ولكن فيه من مسائل علم الحديث ما يحتاجه بعض أهل الحديث.
هذا من جهة محتوى المكتبة الحديثية.
وأما من جهة تقسيمها فأنسب تقسيم لها أن يكون بحسب موضوعاتها؛ وموضوعاتها – كما هو معلوم – هي موضوعات علم الحديث، وتلك الموضوعات يمكن أن تصنف وترتب على ترتيب خطوات نقد الحديث، وهذه الخطوات هي:
الأولى: جمع روايات الحديث بأسانيدها وطرقها.
والأصل في هذا العمل كتب الرواية، ولا يستغنى فيه عن كتب التخريج والفهرسة وغيرها من الكتب التي هي مظان الطرق أو تعين على الوقوف عليها في أصولها.
الثاني: تصحيح ما وقع في تلك الروايات في النسخ المطبوعة أو المخطوطة من التصحيف والتحريف والسقط والزيادة والقلب الواقع في الأسماء والأسانيد والمتون.
والأصل في هذا العمل مقارنة الأصول والروايات ببعضها والرجوع إلى المظان المعينة على ذلك التصحيح؛ ومن أنفعها في هذا الباب كتب التصحيف والتحريف وما يتعلق بذلك، ككتب ضبط أسماء الرواة، وتصحيح الكتب. ومن المراجع الفرعية للضبط والتصحيح تعليقات المحققين على الأصول، هذا إن كان التحقيق تحقيقاً بحق، وإما إن خالف الاسم المسمى كما هو حال أغلب التحقيقات فما أقل الخير فيه.
وفي الحقيقة فإن جنس التصحيح هذا ليس مطلوباً في كتب الرواية وحدها بل في كل كتاب من كتب الحديث التي تأتي الإشارة إلى أصنافها فما من كتاب إلا وهو عرضة للتحريف والخطأ من ناسخ أو مالك أو محقق أو ناشر.
الثالث: معرفة ما لكل راو من اسم وكنية ولقب، احترازاً من توهم الراويين واحداً أو الواحد اثنين، وتعيين المقصود بكل راو، فالأسماء تتشابه ولا سيما عند الإهمال أي عند ذكر الراوي باسمه أو كنيته فقط دون أن ينسب إلى ما يتم به تعيينه كالأب والجد وغير ذلك.
والأصل في هذا العمل كتب الأسماء والأنساب والكنى والألقاب والمؤتلف والمختلف؛ وينتفع في ذلك أيضاً من تدبر الطرق والروايات بعد جمعها.
¥