تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لفظة (حديث صالح) عند أبي داود أو شرح شرط أبي داود في سننه]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[04 - 10 - 05, 02:44 ص]ـ

شرح عبارة أبي داود الدالة على شرطه في سننه:

من العبارات المهمة التي وردت فيها كلمة (صالح) قول أبي داود في رسالته إلى أهل مكة في بيانه لشرطه في سننه (ص25 وما بعدها - تحقيق محمد الصباغ):

" وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر وليس على نحوه في الباب غيره 000وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومنه ما لا يصح سنده وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض ".

قوله: (وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح) كلمة صالح هنا تحتمل أن يكون معناها الصلاحية للاحتجاج فتشمل الصحيح والحسن، وعلى هذا بنى من قال من المتأخرين أن كل ما سكت عنه أبو داود فهو عنده حسن على أقل أحواله.

وتحتمل أيضاً أن يكون معناها الصلاحية للاعتبار والاستشهاد، وعلى هذا بنى من قال ان ما سكت عليه أبو داود من أحاديثه في سننه فهو يحتمل أن يكون عنده صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً صالحاً للاستشهاد والتقوية بكثرة الطرق بشروطها.

اما الاحتمال الأول فقد يقال انه يؤيده ظاهر قول أبي داود أنه ليس في كتابه عن المتروكين شيء فيلزم من كلامه هذا – على القول بأن المتروكين يدخل فيهم الضعفاء جداً – أنه ليس في سنن أبي داود شيء من أحاديث الضعفاء جداً، أي ليس فيها حديث ضعيف جداً، فلما قال أبو داود أن ما فيه وهن شديد فإنه يبينه فلا يبقى حينئذ لهذه العبارة إلا معنى واحد متعين، وهو أنه وقعت في الكتاب أحاديث ضعيفة ضعفها غير شديد فبينها؛ وهو قد وصفها بأنها فيها وهن شديد، فيكون معنى الوهن الشديد هو الضعف الذي ينجبر بكثرة الطرق وتعددها، ولا يمنع من الصلاحية للاستشهاد، ويكون معنى الوهن، أعني غير الشديد، هو الضعف الخفيف وخفة الضبط وأوصاف رواة الحديث الحسن.

لكنه يجاب عن هذا بأن لفظة (المتروكين) عند أبي داود يحتمل أن يراد بها الوضاعون والكذابون والمتهمون، وحتى لو أراد بها غيرهم من التالفين فإنه لا يلزم أن يدخل فيها المتروكين عنده الضعفاء جداً في اصطلاح المتأخرين.

هذا مع أن التحقيق أن من رجال أبي داود في سننه طائفةً من المتروكين؛ أعني الذين اشتد ضعفهم بحيث لا يصلحون للاستشهاد والتقوية.

ويؤيد القول الثاني أمران:

الأول: أن العلماء وجدوا في سنن أبي داود أحاديث كثيرة ضعيفة ساقطة عن رتبة الاحتجاج ولم يذكر فيها شيئاً.

والثاني: أن أبا داود قال في عبارته الأولى كما تقدم إنه يبين الأحاديث المنكرة عندما يذكرها في كتابه؛ ومعلوم أن المنكر شديد الضعف فلعل تلك العبارة البينة هي تفسير هذه الأخيرة المجملة أو المشكِلة.

ويؤيده أيضاً أن كلمة (صالح) في الغالب من عرف المتقدمين تدل على كون الرجل صالحاً للاعتبار وأنها دون مرتبة الاحتجاج.

ويدل عليه أيضاً أن كلمة "وهن" تعني في اللغة والمصطلح الضعف، بل هي في عرف كثير من المتأخرين تطلق لافادة الضعف الشديد؛ ويبعد أن يكون مراد أبي داود بكلمة وهن الخفة في ضبط الراوي وأن يكون مراده بكلمة وهن شديد الضعيف لا الضعيف جداً، ولا يستقيم في التعبير أن يقال: خفة الضبط الشديدة، بل يقال: الضعف الشديد.

ويؤيده أيضاً أن كلام أبي داود إذا كان محتملاً لمعنيين ولم يترجح أحدهما وجب حمله على أقلهما وأحوطهما، فإن أمر النقد والاحتجاج بالروايات مبني على الاحتياط والتثبت؛ والله أعلم.

وقال بعض من علق على رسالة أبي داود هذه من المعاصرين عند قوله فيها (000 فهو صالح): "أي للاعتبار أو للحجة، وتعيين أحدهما تابع للقرينة القائمة كما هو شأن المشترك، وادعاء أنه صالح للحجة تقويل لأبي داود ما لم يقله".

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير